يعَدُّ القرن الإفريقي منطقة استراتيجية، فهو يشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، فضلًا عن أنه يمثل ممرات مائية لها أهميتها التجارية والعسكرية، خاصة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869، وتقابل آبار النفط في شبه الجزيرة العربية والخليج العربي وملاصقة إقليم البحيرات العظمى في وسط إفريقيا، الذي يتميز بغنى موارده المائية والنفطية والمعدنية، ولخطورة موقعه، يمثل أهمية كبيرة للأمن القومي المصري. ويتكون القرن الإفريقي من الصومال، جيبوتي، إريتريا إثيوبيا. تشغل الصومال معظم مناطق القرن الساحلية التي تقع على المحيط الهندي وخليج عدن، وتشمل جيبوتي وإريتريا بقية مناطق القرن الساحلية التي تقع على مضيق باب المندب والبحر الأحمر. أما إثيوبيا فقد حرمت من هذا المنفذ الساحلي الاستراتيجي بعد انفصال إريتريا في عام 1993. وتشكل منطقة القرن الإفريقي مع اليمن المدخل الجنوبي للبحر الأحمر الذي يقف عند مدخله باب المندب. في سبعينيات القرن الماضي وأثناء الحرب الباردة شهدت المنطقة تنافسًا شديدًا وتبادلًا للمواقع وحروبًا بالوكالة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفييتي. ومع تراجعه أصبح التنافس بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا، اللتين تملكان قواعد كبيرة في القرن الإفريقي، خاصة في جيبوتي. الكيان الصهيوني اعتبر القرن الإفريقي جزءًا من نطاق الأمن الحيوي الجنوبي، وكان لهذا التوجه أثر بالغ في تهديد الأمن القومي العربي. كما حصلت الصين مؤخرًا على الضوء الأخضر لبناء قاعدة عسكرية بحرية لها في القرن الإفريقي من خلال جيبوتي قبل نهاية 2017، بعد مفاوضات بين البلدين، إضافة إلى توقيعها اتفاقية مع مستثمرين من جمهورية الصين الشعبية 18 يناير الحالي لبناء أكبر منطقة للتجارة الحرة في القارة الإفريقية. وفي الآونة الأخيرة شهدت منطقة القرن الإفريقي تحركات خليجية عديدة، شملت معظم مناطق القرن الإفريقي، خاصة في إثيوبيا وجيبوتي والصومال. إثيوبيا والتحركات السعودية أكد وزير الزراعة والموارد الطبيعية الإثيوبي تيفارا ديربو أهمية الدور السياسي للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز تجاه إثيوبيا، منوهًا بالعلاقة التي وصفها ب "المتميزة" التي تربط البلدين في شتى المجالات، فالسعودية تعد ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا ب 294 مشروعًا بقيمة 3 مليارات دولار. واتفقت السعودية وإثيوبيا في ديسمبر الماضي على تشكيل ثلاث لجان، شملت لجنة التعاون الخارجي والأمني والعمل، واللجنة الاقتصادية والفنية، ولجنة التعاون التعليمي والثقافي والشؤون الدينية والإعلام والشباب والرياضة؛ للمداولة والخروج بتوصيات تخدم البلدين. وقال تمسغن عمر الوزير المفوض والقنصل العام بالسفارة الإثيوبية لدى السعودية إن بلاده تتطلع أن يكون عام 2016 عام العلاقات السعودية الإثيوبية، كما توقع عمر أن بلاده ستشهد في الفترة المقبلة تدفقات استثمارية سعودية في مختلف المجالات، خاصة الإنتاج الغذائي والزراعي والحيواني، وكان هايلي مريام ديسالين رئيس الوزراء الإثيوبي قد بحث مع الملك السعودي سلمان عبد العزيز أهمية تعزيز العمل المشترك بين البلدين، حيث قدم الصندوق السعودي للتنمية تمويلات وقروضًا ميسرة لاستنهاض التنمية في ريف إثيوبيا. التحركات الإماراتية وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة، ممثلة في الهيئة الاتحادية للجمارك، وإثيوبيا ممثلة في هيئة الجمارك والضرائب الإثيوبية، إبريل الماضي اتفاقية التعاون الفني للمساعدات الجمركية بين البلدين، وقالت الإمارات إن توقيع الاتفاقية يساهم في تعزيز التجارة البينية بين الإمارات وإثيوبيا. وتشير المعلومات إلى أن حركة التجارة البينية بين الإمارات وإثيوبيا شهدت تطورًا كبيرًا خلال الفترة من 2009 وحتى نهاية النصف الأول من 2014، حيث بلغت قيمة التجارة بين البلدين 2.5 مليار دولار أمريكي، ومع بدء افتتاح السفارة الإثيوبية في أبو ظبي يتم إصدار 25 تأشيرة سياحية إلى أثيوبيا يوميًّا. وفي ديسمبر الماضي بحث سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد الإماراتي ووفد وزاري إثيوبي العلاقات القائمة ومجالات التعاون المشترك وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات الاقتصادية، وتحديدًا في قطاعات الزراعة والأمن الغذائي والسياحة والطيران المدني، وأشار المنصوري إلى أن الاستثمارات الإماراتية في إثيوبيا تقارب المليار دولار، وتتركز في قطاع السياحة والفنادق. تحركات قطر في 16 يناير الحالي امتدح المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية "جيتاجو ردا" علاقات بلاده بدولة قطر، وقال إن العلاقات بين بينهما شهدت تطورًا كبيرًا في مختلف المجالات، ووصفها بأنها "علاقات استراتيجية". وأضاف جيتاجو أن الفترة المقبلة ستشهد تبادل زيارات بين قيادة البلدين، وتابع أن الحكومة الإثيوبية قدمت دعوة لأمير قطر تميم بن حمد لزيارة أديس أبابا، وأن رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين سيزور قطر، دون أن يحدد موعد هذه الزيارات المتبادلة بين قيادة البلدين. جيبوتي والتحركات السعودية كشف عميد السلك الدبلوماسي سفير جمهورية جيبوتي في الرياض "ضياء الدين بامخرمة" أن بلاده ستوقع في القريب العاجل اتفاقًا أمنيًّا مع السعودية؛ للتنسيق والتعاون الأمني بين البلدين، وذلك في إطار التعاون الاستراتيجي العسكري والسياسي والاقتصادي. وأعرب السفير الجيبوتي في الرياض عن تطلع بلاده لتطوير العلاقات مع السعودية خلال الأيام المقبلة في مختلف المجالات، وقال: نترقب في قادم الأيام تطورًا مضطردًا وملحوظًا في العلاقة بين جيبوتي والسعودية في المجالات كافة، وستشهد الأيام المقبلة انعقاد المنتدى الاقتصادي بين البلدين في جيبوتي؛ لتأسيس مجلس الأعمال المشترك بين رجال قطاع الأعمال لتنمية الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية بين جيبوتي والسعودية. التحركات الإماراتية في 21 يناير الحالي استقبل الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، محمود علي يوسف، وزير الخارجية والتعاون الدولي بجمهورية جيبوتي، حيث أعرب يوسف عن امتنانه لما تحظى به بلاده من دعم ومساندة من دولة الإمارات لمشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلاده. وبلغت التجارة غير النفطية بين الإمارات وجيبوتي في عام 2015 نصف مليار دولار. التحركات القطرية التقى في 28 ديسمبر الماضي أحمد بن عبد الله آل محمود، نائب رئيس مجلس الوزراء القطري، مع مؤمن حسن بري، سفير جمهورية جيبوتي بالدوحة، وبحثا العلاقات الثنائية بين الدولتين وسبل دعمها وتطويرها في مختلف المجالات، كما تم استعراض عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك. في 18 يناير افتتحت جمعية قطر الخيرية مكتبًا لها في جمهورية جيبوتي؛ وذلك في إطار سياستها الرامية إلى الإشراف المباشر على مشاريعها الإنشائية والتنموية والإغاثية للشعب الجيبوتي. الصومال والتحركات السعودية أظهرت وثيقة نشرتها رويترز أن الصومال تلقى تعهدًا بمساعدات قيمتها 50 مليون دولار من السعودية هذا الشهر في ذات اليوم الذي أعلنت فيه الصومال قطع العلاقات مع إيران، كما اجتمع أمس في مقر المنظمة بجدة وزير الخارجية عادل الجبير، مع وزير خارجية جمهورية الصومال عبد السلام محمد؛ لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تطويرها في مختلف المجالات، واستعراض عدد من القضايا الإقليمية والمستجدات حولها. تعتزم تركيا إنشاء قاعدة عسكرية في الصومال، وعلى الرغم من استبعاد مراقبين أن تكون الخطوة التركية في إطار تنسيق وخطوات مشتركة مع السعودية، لكن أشاروا إلى أن الخطوات التي تتخذها تركيا والسعودية في الآونة الأخيرة فيها نوع من التواصل، ويمكن أن تكون السعودية في صورة التحركات التركية الأخيرة، واعتبروا أن السعودية ستكون سعيدة بالخطوات التركية في مضيق باب المندب، الذي يُعتبَر أهم محاور الصراع مع إيران. التحركات الإماراتية في 19 يناير الحالي التقى سفير الإمارات لدى مقديشيو شريف حسن شيخ آدم رئيس إقليم جنوب غرب الصومال، وجرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية بين دولة الإماراتوالصومال، خاصة إقليم جنوب غربي الصومال، وأعرب شيخ آدم عن شكره لدولة الإمارات على جهودها المستمرة لدعم شعب وحكومة الصومال الفيدرالية بأقاليمها المختلفة، من خلال مشاريعها التنموية والإنسانية ومساعداتها لشعب الصومال في كافة المجالات المختلفة، وتسلمت إدارة ولاية جنوب غرب الصومال الإقليمية شحنة مركبات هدية مقدمة من الإمارات. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن الإمارات قدمت مساعدات تتجاوز 283 مليون درهم للصومال خلال عامي 2012 و2013، شملت مساعدات تنموية وإنسانية. ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن وزارة التنمية والتعاون الدولي، تُعَدُّ الإمارات أكبر سوق لصادرات الصومال، حيث تستورد أكثر من نصف إجمالي صادرات الصومال، وبصفة خاصة من الثروة الحيوانية. وفي شهر نوفمبر من العام 2014 وقعت الإماراتوالصومال مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري. تهديد للأمن القومي المصري يعتبر القرن الإفريقي منبعًا لنهر النيل؛ وبالتالي لا بد من الاهتمام؛ لأنه يمس الأمن القومي المصري، حيث تحصل مصر على 85% من حصتها السنوية من المياه من هضبة الحبشة، و15% من البحيرات العظمى. وتسعى إثيوبيا في الوقت الحالي إلى التحكم في كمية مياه النيل الأزرق التي تنساب لكل من مصر والسودان، وذلك من خلال السيطرة على روافده وإقامة العديد من المشروعات الممولة من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل؛ بهدف التقليل من كمية المياه التي تدخل السودان ومصر، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل عملية التنمية في البلدين. التوجه الخليجي للقرن الإفريقي، خاصة في ظل غياب دور مصر الإقليمي، يثير كثيرًا من علامات الاستفهام، فالوجود الخليجي في القرن الإفريقي سلاح ذو حدين، فهو يصب في صالح مصر إذا لم تشهد علاقاتها مع دول الخليج أي اضطرابات، لكن في حال حدوث خلافات كما جرى مع قطر مؤخرًا فإن هذا النفوذ الخليجي سيؤثر سلبًا على الأمن القومي المصري.