هالة من الوقار والاتزان القانوني والسياسي أحاطت ب "علي عبد العال"، رئيس مجلس النواب الحالي، حيث وصفه المحللون قبل انعقاد البرلمان بأنه الشخص المناسب للجلوس على كرسي رئاسة المجلس؛ لما يمتلكه من حنكة قانونية، وقدرة على احتواء النواب والسيطرة على الجلسات. إلا أن يومين فقط مرا على عمر البرلمان أظهرا شكلاً آخر ل "عبد العال" في ثلاثة مشاهد. المشهد الأول في أولى جلساته، شهدت قاعة مجلس النواب أول مواجهة بين المستشار سري صيام رئيس المجلس الأعلى للقضاء سابقًا، والدكتور علي عبد العال رئيس البرلمان؛ بسبب تفسير نص الدستور الخاص بانتخاب رئيس المجلس والوكيلين، وانتهت بصواب رأي صيام، وكشف خطأ عبد العال. بدأت المواجهة حينما فسر عبد العال المادة 117 الخاصة بانتخاب رئيس المجلس والوكيلين، والتي اشترطت أن يتم في "الجلسة الأولى" بأنه يمكن أن يؤجل انتخاب الوكيلين للغد، ويكتفى بانتخاب رئيس البرلمان. إلا أن المستشار سري صيام طلب الكلمة، واعترض على التفسير، موضحًا أن "المادة 117 من الدستور تنص على أن ينتخب مجلس النواب رئيسًا ووكيلين فى أول اجتماع لدور الانعقاد، وأحسب أن الاجتماع إذا تم تأجيله للغد، فلن يكون أول اجتماع". وعقب صيام "أريد أن أثبت هذا التفسير كاجتهاد مني؛ حتى لا يُقال إن رئيس المجلس قال هذا التفسير ومجلس النواب أقَرَّه". وفي نهاية الأمر امتثل عبد العال لكلام صيام، وتابع انتخابات وكيلي المجلس، التي امتدت حتى الثانية صباحًا. المشهد الثاني في جلسة الأمس أعلن الدكتور على عبد العال عن تشكيل 6 لجان خاصة، تختص لجنة منها بمناقشة اللائحة الداخلية للمجلس، فيما تختص الخمس لجان الأخرى بمناقشة القوانين التى صدرت فى عهد الرئيس السابق عدلى منصور، والرئيس الحالى عبد الفتاح السيسى، والتي يبلغ عددها 341. إلا أن عددًا كبيرًا من النواب أبدى رفضه لقرار تشكيل ال 6 لجان، وحدثت مشادات كلامية بين النواب من ناحية وبينهم وبين رئيس البرلمان من ناحية أخرى. وفي النهاية تراجع رئيس مجلس النواب عن قراره، وقام بأخذ تصويت من النواب، الذين أعلنوا موافقتهم على توزيع قوانين المرحلة الانتقالية على 19 لجنة نوعية، هي لجان المجلس، رافضين بذلك مقترح تشكيل ال 6 لجان. ولم يفوِّت سري صيام الموقف، فطلب أيضًا الحديث، وأبدى اعتراضه على إدارة عبد العال للمجلس، قائلًا "قدمت منذ نصف ساعة طلبًا لك من أجل الكلام، ولم تلتفت إليه. ولكن عندما جاء إليك بعض الأعضاء، أعطيت لهم الكلمة قبلي". وأضاف صيام، في كلمة له بالمجلس، أنه "بعد انتخاب رئيس المجلس والوكيلين، كان يجب انتخاب اللجان الفرعية؛ حتى تتجنب يا سيادة الرئيس ما حدث من الرفض للجان المقترحة منك لدراسة القرارات السابقة الصادرة من رئيس الجمهورية في غياب البرلمان". وتابع "يجب انتخاب اللجان الفرعية ال 19 لدراسة ال 340 قرارًا بقانون"، متسائلًا "كيف للبرلمان أن يعمل دون لائحة داخلية؟". المشهد الثالث تراجع عبد العال عن رأيه بعدم ضرورة مناقشة القوانين الصادرة في عهدي السيسي ومنصور خلال 15 يومًا، الأمر الذي أعلن عنه بوضوح ضمن برنامجه الذي ترشح على أساسة لرئاسة البرلمان، حيث سبق وأعلن أثناء استخراج كارنيه العضوية لمجلس النواب، أنه من الخطأ الحديث عن عرض القوانين التي صدرت في عهد الرئيسين عدلي منصور وعبد الفتاح السيسي على البرلمان؛ "لأن التشريع يحتاج لدراسة وتأنٍّ على البرلمان ككل"، لافتا إلى أنه يمكن مناقشتها من جانب لجان صغيرة على مدار دورة البرلمان. وأكد عبد العال إن المادة 156 من الدستور التي تتحدث عن عرض القرارات بقوانين التي تصدر في غيبة البرلمان على مجلس النواب لا تنطبق على الفترة السابقة التي تلت إعلان خارطة المستقبل في 3 يوليو 2013. وأوضح أن الفترة السابقة يُطلَق عليها "فترة تعطيل الحياة النيابية"، وأن "المقصود بالمادة 156 أنها الفترات العادية التي يكون فيها البرلمان قائمًا، ولكنه في عطلته العادية، أو الفترة التي تتوسط انقضاء مدة البرلمان وانتخاب مجلس جديد". إلا أن عبد العال في ثاني جلسات البرلمان انتهى به الأمر إلى توزيع القوانين التي صدرت في عهد الرئيسين عدلي منصور وعبد الفتاح السيسي على 19 لجنة؛ تمهيدًا لمناقشتها خلال 15 يومًا حسبما نص الدستور. وبرر رئيس مجلس النواب هذا التحول والعدول عما كان يصرح به قبل تنصيبه لرئاسة البرلمان قائلًا "الأمر يعود إلى ضيق الوقت ولسرعة الإنجاز؛ فقد رأت هيئة المكتب تشكيل هذه اللجان لإتمام هذه المهام". وعلق الدكتور نور فرحات، الفقيه الدستوري، على تناقض عبد العال في المشهد الأخير، قائلًا "إن الدكتور على عبد العال ابتلع ما صرح به مرارًا قبل دخوله المجلس أنه لا لزوم لعرض القرارات بالقوانين التى صدرت فى عهد الرئيسين على مجلس النواب". وأضاف "لماذا إذن كان التسرع فى التصريحات غير المدروسة وأنت أستاذ القانون كما تكرر دائمًا؟"، مرجحًا أن الأمر يرجع إلى لزوم تقديم أوراق الاعتماد وفروض الولاء لأولى الأمر، على حد قوله.