تزييف الحقائق وبث الشائعات وترويج الكذب والتهويل واستخدام القضايا الإنسانية، أصبح مهنة الكثير من وسائل الإعلام التي تتخذها لتخدم مصالحها وتثبت فكرتها وأيدلوجيتها بل وتقنع الأطراف الأخرى بها، لكن تأتي الحقائق والتقارير الدولية لتكشف كذب ما تبثه تلك الأبواق الإعلامية المضللة. الاستغلال الإعلامي للأزمات الإنسانية ليس بجديد على بعض وسائل الإعلام العربية، التي تسعي إلى ترويج أفكار معينة وبث شائعات لتشويه بعض القضايا وأخذها إلى جهات تتناسب مع أفكار وأهداف داعمي هذه القنوات، إلا أن هذا الاستغلال تكرس ووجد البيئة الخصبة خلال الأزمة السورية، بداية من حصار التنظيمات الإرهابية للمدن السورية وتجويع أهلها واتخاذ السكان دروعًا بشرية ومنعهم من الخروج من البلدة، وصولًا إلى أزمة اللاجئين السوريين والتي استغلتها بعض وسائل الإعلام لمجابهة بعض الدول والتودد لها على حساب معاداة دول أخرى. بلدة "مضايا" السورية كانت آخر الشواهد على الكذب والتضليل الإعلامي الذي سريعًا ما انكشف وخرجت تقارير تنفيه، فمنذ أيام خرجت قناتي العربية السعودية والجزيرة القطرية، بتقارير ضخمة مستخدمة فيها كلمات وعناوين رنانة، "مضايا تحت الحصار"، "مضايا عار يلطخ جبين المجتمع الدولي"، ونشرت قناة الجزيرة عبر موقعها الإلكتروني صورًا قالت إنها لأهالي البلدة، وأن عدد الوفيات ارتفع في مضايا خلال الأيام الأخيرة إلى أكثر من ثلاثين شخصًا جراء الجوع، لكن الحقيقة سرعان ما تكشفت وتبين أن الصورة الأصلية هي لمتسوّل في أحد الشوارع الأوروبية، وهي منشورة في موقع Theworldrace، مع مجموعة أخرى من الصور التي تصف معاناة الفقراء في أوروبا. حبل الكذب قصير، والروايات والقصص الخيالية التي تنسجها بعض وسائل الإعلام سريعًا ما تنتهي وتنكشف الحقائق سريعًا، فالصور التي تستخدمها هذه الوسائل في أكثر من واقعة بنفس التاريخ والمكان لترويج شائعاتها، هي نفسها تصبح كاشف الحقيقة، وفي واقعة "مضايا" كان الحبل أقصر من أي وقت مضى، وانكشفت الحقيقة سريعًا، حيث أكد الصليب الأحمر في سوريا، إخلاء جميع الحالات الطبية الحرجة في بلدات مضايا والفوعة وكفريا بريف ادلب، نافيًا حدوث مجاعة في بلدة مضايا كما تدعي الجماعات المسلحة هناك وإعلامها الموالي لها. قال المتحدث باسم الصليب الأحمر في سوريا "باول كرزيسياك" أمس الجمعة، إن المساعدات التي دخلت إلى البلدة تكفي لمدة شهرين، معلنًا عن إجراء مفاوضات لإرسال شحنة مساعدات جديدة إلى كل من مضايا والزبداني وكفريا والفوعا، وأوضح "كرزيسياك" حول الأنباء التي تنشرها المجموعات المسلحة بشأن مجاعة في مضايا، أنه من الصعب التأكد من صحة تلك المعلومات"، قائلا لا يمكن تأكيد حقيقة الصور التي تبث عن مظاهر الجوع في مضايا على وسائل التواصل الاجتماعي. من جهته، أكد رئيس منظمة الهلال الأحمر السوري "عبد الرحمن العطار"، إن الجهات الرسمية السورية وافقت على إدخال المساعدات الانسانية إلى كل من مضايا وبلدتي كفريا الفوعة بشكل متزامن، وأشار "العطار" إلى أنه سيعقد اجتماعًا بين الأممالمتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوري لتقدير كمية المساعدات والإجراءات اللوجستية، وأضاف أن تأخير إدخال المساعدات كان بسبب تأخر التنسيق من قبل الأممالمتحدة التي تقوم بدور المنسق لهذه العملية. في ذات الشأن أصدر الإعلام الحربي التابع لحزب الله بياناً حول التضليل الإعلامي المتعلق بمدينة "مضايا" بالريف الغربي للعاصمة دمشق، وأكد البيان أن حملة الافتراءات التي تطال المقاومة، مبرمجة بهدف تشويه صورتها، مشيرًا إلى أن من يتحمل مسؤولية ما يجري في البلدة هي الجماعات المسلحة التي تتخذ من مضايا رهينة لها ولداعمي المسلحين من جهات خارجية، وأكد البيان أنه تم إدخال عشرات الشاحنات محملة بالمواد الغذائية والطبية في 18 أكتوبر 2015، إلى مضايا وسرغايا وبقين، والتي تكفي لأشهر عدة بالتزامن مع إدخال نفس الكمية إلى كفريا والفوعة، كما سيتم إدخال مساعدات غذائية في الأيام القليلة المقبلة بعدما تم تنفيذ بند إخراج الجرحى المسلحين من الزبداني، وأضاف البيان أن قادة المجموعات الإرهابية تتحكم بالمساعدات الغذائية التي توزع وتوضع في مستودعات تابعة لهم في وسط البلدة ويتم ابتزاز السكان فيها وبيعها للمدنيين لمن يستطيع شرائها. وشدد البيان على أن هذه الجماعات تستخدم السكان الذين يبلغ عددهم 23 ألف نسمة كدروع بشرية وورقة سياسية يستغلونها الآن في حملة إعلامية كاذبة مثيلة بسابقاتها في مناطق أخرى، ولا يوجد حتى الآن حالات وفاة كما تدعي وسائل الإعلام وبعض الجهات التابعة للمسلحين الذين يتحملون ما يجري في مضايا، ولفت البيان إلى أنه هناك محاولات عدة من قبل عدد كبير من السكان للخروج من مضايا غير أن قادة الجماعات المسلحة ترفض ذلك، مع وجود مفاوضات لتسليم 300 مسلح أنفسهم إلى السلطات والخروج من البلدة مقابل رفض مسلحين آخرين للموضوع بسبب قرار سياسي خارجي. يشار إلى"العربية" و"الجزيرة"، من أبرز وأشهر القنوات الإخبارية العربية الرائدة في مجال التضليل والتعتيم والترويج للشائعات، الذي تتخذه منهجًا وأساسًا لا تحيد عنه، فالأزمة السورية لم تكن الوحيدة التي تمارس عليها هذه القنوات تضليلها، بل كان للأزمة اليمينة أيضًا مساحة كبيرة في هذه القنوات، فمنذ بداية عملية "عاصفة الحزم" العسكرية التي بدأتها السعودية في اليمن خلال مارس الماضي، عرضت القناة على مختلف منصات الموقع الإلكتروني وصفحات التواصل الاجتماعي صورة لما قالت إنه تدمير ل"رتل عسكري للحوثيين في صعدة"، تبيّن فيما بعد أن الصورة تعود إلى حرب الخليج عام 1991، وأن الدبابات هي دبابات عراقية.