تطور مفاجئ أقدمت عليه كوريا الشمالية، سيزيد من تعقيد الأوضاع في شبه الجزيرة خلال الفترة المقبلة، بعدما أعلنت بيونج يانج أنها أجرت أول تجربة لقنبلة هيدروجينية، في خطوة تشكل تقدمًا مهمًّا ببرنامجها النووي. صدرت تقارير خلال الفترة الأخيرة من استخبارات الشطر الجنوبي ومؤسسات الرصد الأمريكية عن تحضير بيونج يانج لتجربة أول قنبلة هيدروجينية، لم يكذبهم الزعيم الكوري كيم جونغ أون، وكشف مؤخرًا عن شهية بلاده لمثل هذا النوع من الأسلحة بقوله: لقد تمكنا من أن نصبح دول نووية كبرى، قادرة على حماية استقلالها وكرامتها الوطنية بقوة ضربات القنابل النووية والقنابل الهيدروجينية. ورغم معاناة كوريا الشمالية من أزمة غذائية مزمنة منذ سنوات، إلا أنه من غير المعروف كيف استطاعت أن تحدث قفزة تقنية هائلة في اتجاه هذا النوع من الأسلحة المعقدة والخطيرة. وتنحصر الآراء بشأن الوسيلة التي ساعدت بيونج يانج في تحقيق هذا الإنجاز في خيارين لا ثالث لهما: الأول يرجح أن يكون علماء كوريا الشمالية قد نجحوا في تحقيق إنجازات علمية غير مسبوقة، والثاني يتحدث عن إمكانية أن تكون بيونج يانج قد حصلت على التقنية المطلوبة من بكين. ردود فعل دولية وفي الوقت الذي يري فيه خبراء الغرب أن بيونج يانج ما زالت بعيدة جدًّا عن إمكانية إنتاج قنبلة نووية حرارية، إلا أنهم منقسمون بشأن قدرتها على صنع أسلحة ذرية صغيرة، وهي مرحلة أساسية في إنتاج الرؤوس النووية، وفي حال ما إذا كانت التجربة المُعلن عنها لقنبلة هيدروجينية أو غيرها، فإن هذا الاختبار النووي الرابع لكوريا الشمالية يشكل تحديًا صارخًا لأعدائها وحلفائها على حد سواء، فقد حذرها حلفاؤها من أن ثمن مواصلتها لبرنامجها النووي سيكون باهظًا جدًّا. وفي الواقع لم تمنع العقوبات الدولية بيونج يانج من القيام بتجربة نووية رابعة ستثير ردود فعل أقسى هذه المرة على الأرجح، حيث كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد وصف في عام 2014 كوريا الشمالية بأنها "دولة مارقة"، واعدًا ب "فرض عقوبات أقسى عليها إذا أجرت أي تجربة نووية جديدة". وبعد الإعلان عن التجربة الأخيرة، انتقدت الولاياتالمتحدة ما أسمته ب "الاستفزازات الكورية الشمالية"، لكنها أكدت في الوقت نفسه أنها غير قادرة على تأكيد ما إذا كانت بيونج يانج قد أجرت تجربة لقنبلة هيدروجينية أم لا. وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض نيد برايس، في بيان، إنه "لا يمكننا تأكيد هذه المعلومات حاليًّا، لكننا ندين كل انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولية، وندعو كوريا الشمالية من جديد إلى احترام التزاماتها وتعهداتها الدولية"، مضيفًا أن الولاياتالمتحدة سترد بشكل مناسب على كل الاستفزازات الكورية الشمالية، وأعلن أن مجلس الأمن يعقد اجتماعًا بشأن التجربة النووية الكورية. وفي طوكيو أدان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي التجربة، معتبرًا أنها تشكل تحديًا خطيرًا لجهود العالم الهادف إلى الحد من الانتشار النووي، وتهديدًا جديًّا لليابان. كما أدانت سيول بشدة التجربة النووية، معتبرة أنها تحدٍّ خطير للسلام العالمي، مؤكدة أنها ستتخذ كل الإجراءات الضرورية لمعاقبة بيونج يانج. هدف كوريا الشمالية تباينت رؤية المحللين فيما يتعلق بالهدف الكوري الشمالي من هذه التجارب، فبينما رجح خبراء أنه لم يكن من أهداف كوريا الشمالية الوصول إلى الأراضي الأمريكية، وليس من المتوقع أن تحقق التوازن مع الدول الكبرى، ولكنها استطاعت خلق حالة يمكن من خلالها تحديد مناطق هامة وشل السياسات الأمريكية في هذا الجزء من العالم، حيث إن قدرة كوريا الشمالية على تهديد حلفاء الولاياتالمتحدةالأمريكية في كوريا الجنوبيةواليابان وتايوان والدول الآسيوية الأخرى جعلت هناك توجسًا من هذه الدول لأخذ المبادرة مع كوريا الشمالية بدلًا من ترك التواصل عبر الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو ما تجلى في زيارة رئيس الوزراء اليابانيلكوريا الشمالية، والتي كانت الرسالة الحقيقة لهذه الزيارة هي فتح الحوار والتواصل مع العدو القوي بدلًا من تركه لمغامرات الإدارة الأمريكية الجديدة، كما أن كوريا الجنوبية سوف تعمل بنفس الطريق والاتجاه لفتح قنوات اتصال جديدة بعيدة عن الهيمنة الأمريكية في المرحلة القادمة. ورأى فريق آخر من المحللين أنه إذا فشلت الحوارات والقنوات الدبلوماسية مع كوريا الشمالية، سيتضح أن الهدف من هذه التجربة الكورية الشمالية تهديد المصالح الأمريكية في هذه المنطقة، لا سيما وأن هناك أكثر من 28 ألف جندي أمريكي في كوريا الجنوبية، و40 ألف آخرين في اليابان، فضلًا عن وجود قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة في جزيرة غوام القريبة من الفلبين. وتلتزم الولاياتالمتحدة أيضًا بالدفاع عن اليابان إذا تعرضت لهجوم، وذلك وفقًا لشروط التحالف الأمني بين الولاياتالمتحدةواليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وتقول الولاياتالمتحدة إنها قادرة على صد أي هجوم عليها أو على حلفائها إذا ما أطلق أي صاروخ من جانب كوريا الشمالية. قدرات كوريا الشمالية النووية والعسكرية حذر خبراء نوويون من أن كوريا الشمالية ربما تمتلك بالفعل نحو 20 رأسًا نوويًّا، وأضافوا أن بيونج يانج تمتلك أيضًا القدرة على إنتاج كميات كافية من اليورانيوم الذي يستخدم في صنع هذه الأسلحة؛ لمضاعفة ترسانتها بحلول 2016. وأضاف تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال العام الماضي، الذي استند إلى مصادر مطلعة، إلى أن التقديرات الصينية تزيد على معظم التقديرات الأمريكية السابقة، التي تتراوح من 10 إلى 16 قنبلة. وكشفت الصحيفة أنه تم اطلاع الخبراء النوويين الأمريكيين على التقديرات الصينية، عن إنتاج بيونج يانج النووي. وأعلنت كوريا الشمالية في سبتمبر الماضي عن إعادة تشغيل مفاعلها النووي الرئيسي في يونغبيون، بما يمكن أن يفتح موردًا جديدًا للتزود بالبلوتونيوم لبرنامج تسلحها النووي. وقال الخبراء إن الإمكانيات الموجودة في هذا المفاعل يمكن أن يتم استخدامها لإنتاج أسلحة تعتمد على اليورانيوم. وأدرج التقرير السنوي لعام 2015 حول القدرات النووية لكوريا الشمالية لأول مرة عبارة "يبدو أن قدرة كوريا الشمالية على تصغير الأسلحة النووية وصلت إلى مستوى متقدم إلى حد ما". وقدر امتلاك كوريا الشمالية حوالي 40 كيلو جرامًا من البلوتونيوم القابل لصناعة الأسلحة النووية، واحتوى التقرير كذلك، حسب مسؤول كوري جنوبي، على عبارة تشير إلى أنه من المرجح أن تكون كوريا الشمالية قد باتت تملك قدرة نووية تهدد الولاياتالمتحدة. وتمتلك كوريا الشمالية جيشًا تقليديًّا يضم أكثر من مليون جندي. ويعتقد أن أسلحته تعود إلى فترة الاتحاد السوفييتي، وتُعَدُّ متخلفة، لكنها لا تزال تمتلك كمية هائلة من قطع المدفعية، تنشرها بطول المنطقة المتنازع عليها، والتي تُعَدُّ منطقة منزوعة السلاح. كما تقع العاصمة الكورية الجنوبية سيول في مرمى هذه الأسلحة. ووفقًا للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية للتوازن العسكري، فإن ما يقرب من 65 % من الوحدات العسكرية لكوريا الشمالية وأكثر من 80 % من قدرتها العسكرية على إطلاق الصواريخ تنتشر في نطاق 100 كيلو متر من هذه المنطقة منزوعة السلاح. تهديدات سابقة في عام 1967 هاجمت وأغرقت كوريا الشمالية سفينة لكوريا الجنوبية خلال قيامها بدورية في البحر الأصفر؛ مما أسفر عن مقتل 39 من طاقمها، أعقب ذلك فترة من الهدوء النسبي، على الرغم من استمرار الحديث عن الحرب، ثم واصلت كوريا الجنوبية ما يعرف ب "سياسة الشمس المشرقة"، والتي تشير إلى محاولة بناء علاقات وثيقة وتخفيف حدة التوتر، وذلك بين عامي 1998 و2008. في مارس عام 2010 تعرضت سفينة تشيونان الكورية الجنوبية، التي كانت تبحر بالقرب من المنطقة البحرية المتنازع عليها بين البلدين، لتفجير أدى إلى انقسامها لنصفين ومقتل 46 من البحارة على متنها، وقالت كوريا الجنوبية إن التفسير المنطقي لذلك الحادث هو أن السفينة استهدفت بقذيفة من القوات البحرية لكوريا الشمالية، لكن بيونج يانج نفت ذلك. وفيما لا يرى الكثير من المحللين في هذه الخطابات تهديدًا حقيقيًّا، إلا أن آخرين يحذرون من مغبة الإفراط في التوقعات المتفائلة والفهم الجيد لكوريا الشمالية؛ لأن لديها عددًا من الجبهات الخطيرة.