أثارت دعوة رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، إلى التحضير لإجراء استفتاء استقلال الإقليم، جدلاً واسعا في المحيط العراقي والداخلي، وكانت ردود الفعل متباينة بين الاعتراض والقبول من القوى السياسية والدينية المختلفة. وطلب بارزاني من حزبه التوصل مع الأحزاب الأخرى إلى آلية لإجراء استفتاء حول الاستقلال، وجاءت الدعوة في اجتماع رئاسة الحزب وسط مؤيديه فقط، في وقت يشهد فيه الإقليم صراعات عدة وخلافات حول مستقبل النظام التنفيذي والتشريعي، كما تم في الاجتماع أيضا إصدار قرار جديد حول رئاسة برلمان إقليم كردستان، يقضي بعدم عقد أي جلسة للبرلمان لحين تغيير رئيسه. دعوة بارزاني للاستفتاء لم تكن الأولى، فتكررت في الأعوام السابقة، وتجلت في هذا التوقيت لعدة أسباب واعتبارات، رآها محللون وخبراء فرصة ثمينة لرئيس إقليم كردستان. خلافات حول حكم بارزاني ومحاولة الحشد يشهد الإقليم منذ فترة خلافات كبيرة بين الأحزاب حول شرعية النظام القائم في إقليم كردستان ومستقبل الحكم، فبينما يرغب الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يتزعمه رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزاني، في إجراء استفتاء شعبي على بقاء رئيس الإقليم في الحكم، رافضًا التنازل عن ذلك، يؤكد معارضوه رفضهم الاعتراف بشرعيته للإقليم، معتبرين أنه بمثابة فرض للأمر الواقع وتهميش للسلطة البرلمانية التي يترأسها عضو بحزب التغير المعارض قبل التعديلات الرئاسية الأخيرة التي لم يعترف بها الحزب، مؤكدًا أنها إقصاء للمعارضة. ويتّخذ حزب بارزاني من مدينة أربيل مقرا له، فيما تتركّز معارضته بشكل أساسي في مدينة السليمانية، ما يجعل الانقسام في الإقليم يتجاوز البعد السياسي إلى آخر جغرافي، وتبين حدّة هذه المواقف اتساع الهوّة بين فرقاء المشهد السياسي في إقليم كردستان العراق، واقترابها من نقطة الفراق النهائي، الذي قد يترجم إلى واقع جغرافي عبر انقسام الإقليم إلى إقليمين، لكل منهما عاصمته وولاءاته الإقليمية، فلا تنفصل الصراعات داخل كردستان العراق عن الوضع العام في المنطقة وما يميزها من صراع على النفوذ، ويتبين أن حزب بارزاني أقرب لتركيا، بينما أحزاب المعارضة الأخرى أقرب إلى الحكومة المركزية في بغداد التي لها علاقات وثيقة مع طهران. قوبلت دعوة بارزاني لإجراء استفتاء حول استقلال «كردستان العراق»، بتوجس الأطراف الكردية الأخرى، في مقدمتها حزب حركة التغيير الذي رأى أحد نوابه أن مشروع استقلال إقليم كردستان في المرحلة الراهنة بعيد المنال وتلاعب بمشاعر الكرد، مؤكدًا أن طرح موضوع الاستقلال الذي يروج له الحزب الديمقراطي الكردستاني؛ لجذب مشاعر الشارع الكردي وإيهامهم بالدولة المستقلة، في وقت أصبح برلمان الإقليم معطلا، فيجب أن تعرض مثل هذه القرارات على البرلمان أولا، ومن ثم يطرح الاستفتاء العام على الشارع الكردي. زيارة بارزاني لتركيا زيارة بارزاني تركيا الأسبوع الماضي، أسفرت عن معلومات تتحدث عن ارتباطها بالاستقلال، وتحدث مصدر روسي لإحدى القنوات اللبنانية عن خطة کردية ترکية خليجية وأمريكية تقضي بإجراء الاستفتاء على استقلال الإقليم خلال عام 2016، مشيراً إلى أن اجتماعا سيعقد قريبا بين القيادات والأحزاب الكردية في أربيل لبحث مسألة الاستفتاء. وبحسب المصدر، فإن مسؤولا کرديا بارزا بحث سرا في أنقرة ودولة خليجية الاستفتاء في الإقليم، مضيفا أن الحصول على مبارکة للخطوة مرهون بدعم کردي لإقليم سني في العراق، وتقضي الخطة وفق المصدر نفسه أن يجري الاستفتاء خلال عام 2016، کاشفاً أن تدخل القوات الترکية في شمال العراق، جاء نتيجة صفقة بين مسؤول کردي وواشنطن تتضمن دعم فكرة الاستقلال. التقي بارزاني خلال الزياردة بالرئيس الترکي، رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء، أحمد داود أوغلو، وتزامنت مع الأزمة بين بغدادوأنقرة، على خلفية توغل قوات الأخيرة في شمال العراق، الذي اعتبرته الحكومة في بغداد عدوانا، بيد أن بارزاني لم يجده کذلك، قائلاً من العاصمة الترکية، إن نشر هؤلاء الجنود ليس عملاً عدوانيا، بل بادرة تضامن، وأن هدف أنقرة تدريب سكان الموصل، على حد تعبيره. لا تزال الزيارة تثير الجدل وعلامات استفهام كبرى وثيقة الصلة بمستقبل القضية الكردية برمتها، وبداية تقسيم محتمل للعراق قد يتمثل في إحياء مشروع «كردستان الكبرى» بالشرق الأوسط، خاصة بعد رفع العلم الكردي لأول مرة في تركيا أثناء استقبال وكيل وزير الخارجية التركي، فريدون أغلو، لبارزاني بمطار أنقرة يوم الأربعاء 9 ديسمبر الحالي، ما دفع كثير من المتابعين والمحللين السياسيين إلى حتمية التنبيه ودق أجراس الخطر حول إمكانية وجود صفقة بالفعل لاستقلال الإقليم وضم أكراد تركيا، أو على الأقل حزب العمال الكردستاني الذي لديه مشاكل مع أنقره في هذه المنطقة على حساب العراق المركزية. ردود فعل عراقية حادة أشارت المراجع الدينية والأحزاب السياسية العراقية بأصابع الاتهام إلى أمريكا، وأنها سبب كل ما يدور بالعراق، وحذر المرجع الديني، قاسم الطائي، في رسالة له بعنوان «العراق إلى أين» من أن ثمة تسريبات من مصادر دبلوماسية تفيد بمشروع تقسيم العراق، موضحا أن ما يزيد الأمر سوءا، تأييد بعض القوى السياسية العراقية للمشروع وقوى مؤثرة أخرى، وكلها تحت رعاية السفارة الأمريكية. وطالب بإلزام أمريكا والمجتمع الدولي بالحفاظ على وحدة العراق وحماية أرضه، مشددا على إلزام إقليم كردستان بمسؤوليته الدستورية تجاه العراق، وأن الاستفتاء يكون لعموم العراقيين لا سكان الإقليم فقط؛ لأن العراق عموماً تحمل تبعات كون الإقليم جزءا منه، ومن حق كل مواطن أن يقرر ذلك أو يمنعه، وإلا سيفتح المجال لمحافظات أخرى قد تطالب بالانفصال.