الإهمال وتبرؤ الآثار وأطماع المستثمرين تتحالف لهدم «تربيعة الغوري» هدم الأماكن التاريخية أصبح موضة العصر، حيث ظهرت قرارات كثيرة في الفترة السابقة بهدم عدد منها في القاهرةوالإسكندرية، مثل بيت المهندس وبيت مدكور في القاهرة وفيلا شيكوريل في الإسكندرية، وغيرها من الأماكن التاريخية. واليوم يضرب الإهمال تربيعة قنصوه الغوري التي ما زلنا نبحث عن تبعيتها، هل لوزارة الآثار، أم للتنسيق الحضاري، أم المحافظة؟ فالمبني آيل للسقوط، ويحتاج إلي تجديد؛ لأنه يعتبر مدخل شارع المعز لدين الله الفاطمي، وعليه أحكام قضائية، ومن هنا بدأنا في البحث عن المعلومات؛ لكشف حقيقة المبنى التاريخي. تقع تربيعة قنصوه الغوري في شارع المعز من جهة شارع الأزهر، مبنى تاريخي صدر بحقه عدد من الأحكام، بعد نشوب حريق به، وإصدار الحي والإدارة المحلية قرارًا رقم 14 لسنة 2005 بهدم العقار حتى سطحه. وبحسب إحدى الحملات التي تُدعَى «امسك كرش» قالت إنها تمكنت من إثبات أن منطقة ربع التربيعة، العقار رقم 84 بشارع المعز مكان أثري قديم، كان عبارة عن سوق يسمى سوق التربيعة بجانب جامع الغورية. نقابة الأثريين: تربيعة الغوري مكان تاريخي.. ويجب إيقاف هدمها صلاح الهادي، منسق عام نقابة الأثريين، يقول "إن تربيعة قنصوه الغوري مبني تاريخي، وما أعلمه هو وجود لجنة بمحافظة القاهرة مختصة بالمباني التاريخية وحمايتها، فالحال الذي وصل إليه مؤسف، فلا بد من تدخل المسؤولين لإيقاف قرار الهدم وإعادة المبنى إلى أصله". وعن عدم تسجيل البيت كأثر أوضح الهادي أنه ليس كل ما مر عليه 100 سنة يعد أثرًا، بل لابد أن تكون له شواهد أثرية، وأن تكون له قيمة ليتم تسجيله"، مشيرًا إلى أن "البيت قد لا يوجد به شيء أثري ليتم تسجيله كأثر، ولكن ما يمكن التأكيد عليه هو أن هذا المكان تاريخي بحسب ما رأيت بنفسي عند زيارته". ولفت إلى أن هناك محالَّ كثيرة تغطي واجهة المبنى، وهذا الأمر له علاقة بالحي والمحافظة، موضحًا أن الموضوع عبارة عن سيطرة مجموعة من رؤوس الأموال على المباني التاريخية، فيقومون بتخريبها وهدمها؛ لكي يقيموا مشروعات أخرى في هذه الأماكن التاريخية. وتابع أنه لا بد من أن يتم النظر إلى هذا المكان من محافظة القاهرة ووزارة الآثار؛ ليعاد له رونقه؛ حتى يليق بمدخل شارع المعز المتحف الأثري المفتوح. وتابع "المكان آيل للسقوط بالفعل، وهناك حكم قضائي لإزالة الدور الأخير، وهناك شخص أخر اشترى جزءًا من تربيعة قنصوه الغوري، ويريد هدمها، وأصحاب المحلات يرفضون الهدم، فهناك صراع كبير على هذا المكان". وأوضح أن هذا المبني يخص المحافظة، ولا بد أن تتدخل لإيقاف هذه المهزلة، ووزارة الآثار تعاني من مشاكل كثيرة لديها؛ لذلك لا يتم تسجيل المباني التاريخية، بالإضافة إلى الأحكام القضائية التي صدرت في حق تربيعة قنصوه الغوري؛ ولذلك يجب تدخل المحافظة. «الآثار»: المبني لا يخص الغوري.. ونحن نعلم أملاكه التابعة لنا محمد عبد العزيز، مدير مشروع القاهرة التاريخية ومعاون وزير الآثار لشؤون الآثار الإسلامية والقبطية، أوضح أن المبنى الذي يقال عنه إنه تربيعة قنصوه الغوري ليس له أي تاريخ يتبع الغوري من أي جهة وغير مسجل لديهم في وزارة الآثار، مؤكدًا "نحن نعلم أملاك الغوري التابعة للقاهرة التاريخية". وأضاف عبد العزيز أن هذا المبنى عبارة عن أنقاض، بعد أن كان وكالة ومخازن، وسقط بعد احتراقه منذ 10 سنوات تقريبًا، مشددًا على أن إقحام اسم وزارة الآثار للمصالح الخاصة؛ "ولذلك وجب التأكيد على أن هذا المبنى لا يتبع للغوري لا من قريب ولا من بعيد". «التنسيق الحضاري»: تربيعة الغوري ليست مسجلة لدينا وبالتواصل مع سمير مرقص، رئيس جهاز التنسيق الحضاري، أكد أن العقار 84 بشارع المعز لدين الله الفاطمي حي الجمالية ليس مسجلًا لديهم في التنسيق الحضاري كتراث، ولا يوجد عليهم أي مسؤولية، فهو إما مسجل كأثر يتبع وزارة الآثار، أو يتبع المحافظة، التي عليها متابعته وحمايته. الحفاظ على التراث: كيف يمكن أن نتعامل مع مبنى يقال إنه أثري وهو غير مسجل؟ ومن جانبها تساءلت ريهام التهامي، رئيس وحدة الحفاظ على تراث القاهرة التاريخية بمحافظة القاهرة، عن كيفية تعامل المحافظة واتخاذها لإجراءات حماية تربيعة قنصوه الغوري والتعامل معها كأثر وهي غير مسجلة في سجلات وزارة الآثار والتنسيق الحضاري؟ وإذا كان معروفًا تاريخيًّا بأن هذا المكان تابع لقنصوه الغوري، فكيف لم يُسجَّل كأثر؟ مشيرًا إلى أنه لا بد من العودة إلى وزارة الآثار. من هو قنصوه الغوري؟ هو الأشرف أبو النصر قنصوه الغوري الجركسي، من آخر سلاطين المماليك البرجية. وُلِد سنة 850 ه- 1446 م، ثم امتلكه الأشرف قايتباى، وأعتقه، وعينه في عدة وظائف في خدمته. وفى دولة الأشرف عُيِّن وزيرًا، ثم نودِيَ به ملكًا على مصر سنة 906 ه- 1501 م، وظل في ملك مصر إلى أن قُتِل في معركة مرج دابق شمال حلب سنة 1516. كان الغوري مغرمًا بالعمارة، فازدهرت في عصره، واقتدى به أمراء دولته في إنشاء العمائر. وخلف ثروة فنية أغلبها خيرية بمصر وحلب والشام والأقطار الحجازية، واهتم بتحصين مصر، فأنشأ قلعة العقبة وأبراج الإسكندرية، وجدد خان الخليلي، فأنشأه من جديد، وأصلح قبة الإمام الشافعي، وأنشأ منارة للجامع الأزهر. وله مجموعة أثرية مهمة في حلب مكونة من أبنية وجامع ومدرسة. كما أن له منشآت تقع بحي الأزهر، وتحديدًا في نهاية شارع الغورية عند تقاطعه مع شارع الأزهر، ومجموعة المنشآت التي شيدها تتكون من وكالة وقبة وخانقاه ومدرسة، وانتهى من تشييد تلك المجموعة في عام 1505 ميلادية. وكالة الغوري الوكالة عبارة عن مبنى لإقامة التجار الوافدين للقاهرة ومكان لتخزين بضائعهم؛ حتى يتم بيعها. وتعتبر وكالة الغوري من أكمل وأروع الوكالات في مصر، وتتكون من فناء مكشوف مستطيل الشكل محاط من جميع الجوانب بقاعات على خمسة طوابق، حيث كان يتم تخزين البضائع في الطابق الأرضي والطابق الأول، بينما خُصِّصت باقي الطوابق لسكن التجار. مدرسة قنصوه الغوري يُطلَق عليها مدرسة وجامع الغورية؛ نسبة للغوري، وتقع بنهاية شارع المعز بالغورية، وهي مكونة من صحن مكشوف مربع الشكل يحيط به أربعة أيونات، وخُصِّصت لدراسة المذاهب الأربعة: الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي.