طالما عبرت الأغنية الوطنية أو «المموهة»، على حد تعبير مردديها، عن انحيازها للسلطة والحاكم الفرد منذ عقود بعيدة، وحرصت على تجميل صورة الأنظمة الشموليّة واستغلتها لتخاطب بها الجماهير، فكانت الموسيقى العسكريّة الألمانيّة والأغاني النازيّة تلهب حماسة المواطنين المنحازين لشخصية الديكتاتور. باستعراض مجموعة من الأغاني «المموهة»، سنجد أنها ليست وليدة دولة بعينها أو حاكم بعينه، فمثلا في ألمانيا، انتشرت هذه الأغاني في عهد هتلر، وأصبحت أغنية «Horst-Wessel-Lied» العسكرية نشيدا رسميا للبلاد، كما انتشرت أيضا في العالم العربي عبر الأنظمة التي اختصرت الوطنية في تمجيد الحكام والسلاطين. بدأ المطرب محمد عبده، فنان العرب، مسيرة الأغنية «المموهة» بداية من مديح الملك فيصل وولي عهده بأغنية: «ربنا واحد.. ودربنا واحد.. وكلنا فيصل.. وكلنا خالد» حتى وصل إلى الملك سلمان، الحاكم الحالي. عندما مات فيصل، غنى عبده للملك خالد وحده: «خالد أنت ملكنا وأنت الوالد»، ثم يرحل خالد، ويأتي فهد، ليغني له: «فهد فهد.. يا رمز باقي للأبد.. يا رمز وافي بالعهد»، ثم يأتي الملك عبد الله فيغني له: «العزيز الله.. والكريم الله.. وانت عبد الله.. أنت بعد الله»، ثم يتولى سلمان الحكم فيطلق أغنيته: «سيدي سلمان.. يا فخر الزمان». وانتشرت أيضا في مصر الأغاني التي مجدت الملك لفنانيين كبار مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، فقد الأولى للملك فاروق العديد من الأغاني التي يطلق عليها النقاد اسم «الفاروقيات»، بدأتها سنة 1936 بعد توليه العرش بأغنية: «الملك بين يديك في إقباله.. عوّذت ملكك بالنبي وآله». كما غنت بمناسبة ذكرى ميلاده قصيدة: «اجمعي يا مصر أزهار الأماني..يوم ميلاد المليك»، وغنت سنة 1939 بمناسبة زواج ولي عهد إيران، محمد رضا بهلوي، من الأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق، «مبروك على سموك وسموه.. دا تاج إيران والنيل الغالي.. ياللي القمر قال لك في علوه.. أغيب وتطلعي انت بدالي». بعد ذلك بدأت رحلة أم كلثوم في الغناء لما تؤمن به ، فغنت لعبد الناصر: «يا جمال يا مثال الوطنية». وغني محمد عبد الوهاب، أيضا للملك فاروق «من كتر غيرتي عليك في القلب خبيتك.. وقلتلك يا فاروق القلب ده بيتك»، كذلك غنى لعبد الناصر «تسلم يا غالي»، ثم لحن وشارك في عدة أوبريتات منها أوبريت الجيل الصاعد. في عصر المخلوع «مبارك»، انتشرت الأوبريتات والمهرجانات، وتطوع فنانون مصريون وعرب كثيريون بالغناء في مدح الرئيس، مثل أوبريت «اخترناه»، وكانت هناك واقعة شهيره لإحدى المطربات بعد اعتذارها عن عدم الظهور في احتفالات أكتوبر، فعاقبها وزير الإعلام وقتها، صفوت الشريف، بتجاهلها من جميع وسائل الإعلام المصريّة. وفي عد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ظهرت مجموعة كبيرة من الأعمال التى مدحت ومجدت فيه حتى قبل توليه الحكم، فقدم الفنان مصطفى كامل، أغنية «تسلم الأيادي» عقب فض اعتصام جماعة الإخوان في «رابعة العدوية»، كذلك جاءت أغنية «بشرة خير» للفنان الإماراتي حسين الجسمي، وكان هدفها تحفيز الناس للنزول من أجل التصويت على الدستور الجديد. فيما جاء «مهرجان السيسي» لأوكا وأورتيغا، ليعبر عن مستوى التدني الذي وصلت إليه الأغنية «المموهة».