أعادت الهيئة العامة المصرية للكتاب، طباعة "المبتسرون" دفاتر واحدة من جيل الحركة الطلابية، مؤلف الكاتبة المصرية الراحلة أروى صالح الأشهر، عن سلسلة مكتبة الأسرة، وجاء في 118 صفحة من القطع المتوسط. أثار "المبتسرون" ضجة كبيرة في الأوساط الثقافية والإعلامية عامة والسياسية على وجه الخصوص، حيث قدمت "صالح" نقدًا تشريحيًا ولاذعًا لجيل الحركة الطلابية في السبيعينيات، وهو الجيل الذي انتمت له الكاتبة، وكانت في مقدمة صفوفه، إلا أن ذلك الجيل قد تخطى المرحلة الطلابية والنضالية أيضًا حين صدر الكتاب للمرة الأولى في منتصف التسعينيات، بل كان في أوج صعوده في نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والفنية. ويكشف الكتاب عن الهم الوطني الذي حملته صاحبته، واليأس الذي أصابها بعد سنوات من الحماس والنضال في سبيل الحرية والكرامة والعيش، ويكشف الانحراف الذي أصاب جيل السبعينيات عن قناعاته ومبادئه، وهو الأمر الذي أودى بها إلى الانتحار في نهاية 1997، حيث ألقت نفسها من الطابق العاشر، لتسقط محطمة جوار أحلامها وأحلام أجيال من الحركات السياسية النضالية في مصر. وهنا بعض من فقرات الكتاب: "كأن قدرتي على الإستمرار بعد الصدمات كانت هي القدرة على تجديد الوهم! كنت دايما بعزي نفسي بالظن بأني اخطأت السبيل لمقصدي، وأواصل البحث محملة بنفس الأوهام غير منقوصة، عن الجمال في بشر غير اللي عرفتهم وفي النهاية بأتطلع داخلي مش لاقية غير مقبرة جماعية".. "نحن أبناء الزمن الذي فقد فيه حتى الحزن جلاله، صار مملًا هو الآخر، مثل البرد مثل "الصداع، والملل لا يصنع فنًا، فقط أناسًا مملين".. "إن المثقفين المهزومين يعشقون تحطيم الأصنام من كل نوع: ناجحون، مشهورون، مبدعون، يحبون ذلك إلى حد أن العجز عنه في حالة من الحالات (ولتكن عملًا فنيًا لا مأخذ عليه) يصيبهم بالإحباط، إن البرهنة على أن (الكل باطل) احتياج لا ينتهي عندهم".. "ولعل السذاجة في هذا الحلم تثير الآن الابتسام -ربما من أبناء جيلنا أكثر من أي أحد آخر- ولكن ما هو أقسى كثيراً، فيما أظن، حظ أجيال لم يتح لها أبداً أن تعرف أحلامًا كبيرة، ومن أجل هذا كتبت عن حلمنا المجهض، لأنه لم يكن سراباً كله كما يلذ لكثيرين منا الآن أن يصفوه ليذلوا ماضيهم -إمعاناً في رد الفعل على غرورهم السابق فيما أحسب. ولكنه كان تاريخًا أيضًا تبقى منه أشياء حقيقية، غريب أن نهدرها لأننا نحن هُزمنا بسهولة أهانتنا، وبالنسبة لي فقد احتفظت من هذا التاريخ بذكرى زمن شهدت فيه شعبنا ومثقفينا أحياء ما يزالون- رغم المواجع، وبيقين: أن هناك أياماً أخرى في التاريخ غير مظلمة…