صورة معبرة عن الجيش والحياة والسياسية سجل المؤرخون أن عام 1805 هو بداية لتاريخ مصر الحديث، عقب عقود من السيطرة المركزية لعاصمة السلطنة العثمانية على مصر، فكانت "الاستانة" ترسل الحكام إلى مصر وفقًا لسياسة التعيين، كما اعتلى المماليك أعلى المناصب القيادية بالجيش، وانقلب المشهد تمامًا عام 1805 حين شهد ثورة شعبية غير مسبوقة، رفض السلطة المركزية واختارت النخبة الوطنية المصرية محمد علي باشا ليكون أول حاكم لمصر، بالمخالفة لرغبة السلطان وبعدها التخلص من القوى العسكرية المسيسة الممثلة في المماليك وتأسيس أول جيش وطني مصري، يعتلي فيه المصريون المناصب القيادية. ومنذ ذلك العهد وحتى عام 1952 لم يكن للجيش أي تدخل في الحياة السياسية المصرية سوى محاولة أحمد عرابي ورفاقه لتصحيح أوضاع سياسات مغلوطة، حتى احتل الإنجليز مصر وسيطروا عليها. وفي عام 1952 استطاعت مجموعة من ضباط الجيش "الضباط الأحرار" الثورة على الملكية والسيطرة على الحياة السياسية حتى وقتنا الحالي. ونرصد هنا أهم 10 محطات رئيسية سيطر فيها الجيش على مقاليد السياسية وأمسك بزمام الأمور فيها. 1- 23 يوليو 1952: حينها قرر بعض ضباط الجيش القيام بحركة تصحيحية تهدف في المقام الأول لتعديل أوضاع الجيش والسياسة في البلاد، بعدما تفاقمت بشكل كبير، وحاصر الضباط القصر الملكي وتطور الأمر إلى مطالبة الملك فاروق بالتنحي عن العرش وتسليم السلطة لولي عهده الملك أحمد فؤاد وقرر الضباط تعيين وزارة جديدة وتكليف علي ماهر باشا بالوزارة. 2- 07 سبتمبر 1952: لم يكتف الضباط الأحرار بتنحي الملك وتعيين وزارة جديدة، فلم يكن ليهدأ لهم بال إلا بالاطمئنان على المبادئ التي أعلنوها في بيان 23 يوليو فكان التدخل الثاني الكبير في الحياة السياسية باستقالة علي ماهر باشا وتعيين اللواء محمد نجيب رئيسا لوزراء مصر ليكون أول رئيس وزراء عسكري في تاريخ مصر الحديث منذ أول عهد لهذا المنصب سنة 1879 والذي تولاها نوبار باشا وقتها. 3- 18 يونيو 1953: تعتبر المحطة الثالثة الكبيرة من محطات الجيش والحياة والسياسة حين أعلن ضباط (مجلس قيادة الثورة) إنهاء الملكية كنظام سياسي في مصر وإعلان الجمهورية بقرار مباشر من المجلس دون استفتاء الشعب أو أي إجراءات محددة. وتضمن القرار أن تكون للشعب الكلمة الأخيرة فى تحديد نوع الجمهورية – رئاسية أم برلمانية – واختيار شخص الرئيس أيضًا، وذلك بمجرد إقرار مشروع الدستور الجديد، وبالفعل تم اختيار محمد نجيب رئيسا للجمهورية لحين إعداد دستور (دستور 1954) وانتخاب رئيس جديد وإقامة حياة سياسية في البلاد. 4- 14 نوفمبر 1954: تدخل ضباط (مجلس قيادة الثورة) من جديد، فأقال الرئيس محمد نجيب وإعلن "خلو" منصب رئيس الجمهورية وتأجيل مسوّدة الدستور التي تم إعدادها من لجنة الخمسين وقتها، وهذا التدخل الذي يعتبر المحطة الرابعة المهمة في علاقة الجيش بالحياة السياسية أدى لعمل دستور 1956 المؤسس لفكرة (الاتحاد الوطني) بمفهوم دولة الحزب الواحد وترشيح جمال عبد الناصر لمنصب الرئاسة وفاز بعد استفتاء شعبي بنسبة ساحقة، ليصنف كثاني رئيس لمصر ترشحه المؤسسة العسكرية والقوات المسلحة. 5- 28 سبتمبر 1972: عقب وفاة الزعيم جمال عبد الناصر، تحديدًا يوم 28 سبتمبر 1972 تقلد محمد أنور السادات، منصب رئاسة جمهورية مصر العربية، باعتباره النائب الأول للرئيس الراحل، ليصنف كثالث رئيس يأتي من قلب المؤسسة العسكرية والقوات المسلحة، لترسخ تلك الخطوة فكرة احتكار أبناء القوات المسلحة لمنصب رئاسة الجمهورية. 6- 19 يناير 1977: ويجسد عام 1977 أول اصطدام للجيش بالحراك الشعبي، حين شهدت مصر في 18 و 19 يناير انتفاضة كبير ة عرفت ب"انتفاضة الخبز" وتوسعت في شكل مظاهرات حاشدة واضطرابات نتيجة ارتفاع الأسعار وسياسة الانفتاح الاقتصادي وقرار رفع الدعم عن السلع الأساسية في 17 يناير وفي يوم 19 يناير، تم إعلان أن ما يحدث في البلاد مؤامرة "شيوعية" تهدف لقلب نظام الحكم وتحرك الجيش من ثكانته العسكرية للقضاء على "المؤامرة" وحدثت اكبر حملة اعتقالات لليسار المصري آنذاك. 7- 25 فبراير 1986: "انتفاضة الأمن المركزي" شكلت او انقلاب لجنود الأمن المركزي على قياداتهم، وقتها تظاهر آلاف من جنود الأمن المركزي واعتصموا في معسكر بالجيزة اعتراضًا على أحوالهم المعيشية ورواتبهم الضئيلة، وعاقبهم الجيش بمحاصرتهم وإعلان حظر التجول في البلاد لمدة أسبوع، ثم أعلن عن إقالة وزير الداخلية آنذاك، اللواء أحمد رشدي. 8- 11 فبراير 2011: تحت ضغط شعبي كبير بدأ من 25 يناير، واستمر لمدة 18 يوم، قام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، بالتنحي عن السلطة، وكالعادة سلمّها بشكل مباشر للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي كان على رأسه وقتها المشير محمد حسين طنطاوي، وكان المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو الحاكم الفعلي للبلاد من هذا التاريخ وحتى 30 يونيو 2012 مع فوز الرئيس السابق محمد مرسي في أول انتخابات رئاسية بعد ثورة يناير، واستغل المجلس الأعلى للقوات المسلحة تلك الفترة لإعداد خارطة الطريق الانتقالية، وأصدر قانون الانتخابات البرلمانية. 9- 3 يوليو 2013: واستمر الضغط الشعبي على أول رئيس مدني منتخب، منذ 3 يونيو 2013 ولمدة 4 أيام، حتى أعلن عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا بإدارة البلاد، وقام بإعلان خارطة طريق انتقالية جديدة وتعطيل الدستور وإعادة تشكيل لجنة لتعديل الدستور من جديد. 10- 26 مارس 2014: وفي مارس 2014 أعلن المشير عبد الفتاح السيسي، استقالته من منصب وزير الدفاع، وكأحد أعضاء المؤسسة العسكرية والقوات المسلحة، وترشحه لانتخابات الرئاسة 2014 والتي حقق خلالها فوزًا نسبته 98 % ليصبح الرئيس السادس للبلاد والذي يأتي من جديد أيضا من قلب القوات المسلحة وسرعان ما يبدأ في الظهور ببدلته العسكرية من جديد أثناء افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة في رسالة واضحة لانتمائه لهذه المؤسسة.