تضع أمريكا نفسها في خانة واحدة مع الكيان الصهيوني، بما تقدمه من دعم أمني واستخباري واقتصادي وسياسي غير محدود، لحليفها الأول بالشرق الأوسط "إسرائيل" منذ زمن طويل، مما جعل أعداء تل أبيب أنفسهم أعداء واشنطن، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى تكريس كل جهودها لتعزيز أمن حليفتها الصهيونية والدفاع المستميت عنها في المحافل الدولية والإقليمية. تستخدم أمريكا "حق الفيتو" لصالح الكيان الصهيوني، فمنذ عام 1982 لم تقبل واشنطون بأي قرار يمس تل أبيب أو قيادتها الصهيونية عبر حق النقض، فقد استخدمت "الفيتو" في تاريخها 80 مرة، منها 41 لصالح الكيان الصهيوني ومصالحه و33 ضد القرارات الفلسطينية، مما يعني أن حق نقض الفيتو، سيبقى سيفًا مسلطًا على رقاب الفلسطينيين، طالما أن الولاياتالمتحدة تقف بكامل ثقلها خلف دولة الاحتلال. مجددًا استخدمت أمريكا حق الفيتو من أجل إنقاذ مصالح الكيان الصهيوني، فمنذ أيام اقترحت فرنسا مشروع قرار يقضي بإرسال مراقبين دوليين إلى القدس، وهو أمر أثار انتقاد تل أبيب ووصفت المقترح بأنه "مكافأة فرنسية للإرهاب الذي بدأه الفلسطينيون"، كما استدعى الكيان الصهيوني وقتها السفير الفرنسي في تل أبيب "باتريك ميزونيف". على الرغم من علم أمريكا بصعوبة تمرير مشروع القرار؛ بسبب ضعف الجهود العربية والدولية في حل القضية الفلسطينية، ويقينها التام بأن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية متقدمة في جدول اهتمامات المجتمع الدولي خاصة لدى الدول العربية، إلَّا أن الإدارة الأمريكية سعت إلى طمأنة حليفتها، حيث أعلنت سريعًا نيتها المؤكدة في استخدام حق النقض "الفيتو"، لإسقاط المشروع حال طرحه للتصويت، قاطعة بذلك الطريق على أي محاولات عربية أو دولية لاعتماد المشروع. وعلى صعيد متصل؛ أكد دبلوماسي أمريكي أن الولاياتالمتحدة خفضت قيمة المساعدة المالية التي تمنحها سنويًّا للسلطة الفلسطينية؛ احتجاجًا منها على ما تعتبره "إجراءات غير مفيدة أقدمت عليها القيادة الفلسطينية"، ونقلت صحيفة "هآرتس" الصهيونية عن وزارة الخارجية الأمريكية أنها أبلغت الكونجرس بأنها تعتزم خفض مساعدتها السنوية للسلطة الفلسطينية بمقدار 80 مليون دولار. هذا التخفيض في المساعدات التي ترسلها أمريكا لفلسطين لم يكن الأول من نوعه، حيث تستغل أمريكا هذه المساعدات كورقة ضغط تستخدمها كيفما تشاء أو بمعنى أدق حينما تريد تل أبيب، حيث رصدت واشنطن في بادئ الأمر 370 مليون دولار مساعدات مالية للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة للسنة المالية 2016، لكنها قررت لاحقًا خفضها إلى 290 مليون دولار. حاول وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" تبرير موقف بلاده، حيث قال: "ساهمت عوامل عدة في اتخاذ هذا القرار، من بينها إجراءات غير مفيدة اتخذها الفلسطينيون إضافة إلى الضغوط التي ترزح تحتها موازنة المساعدة الدولية الأمريكية" وزعم الدبلوماسي الأمريكي أن قرار خفض المساعدة المالية للفلسطينيين اتخذ قبل أشهر عديدة، وهو ليس مرتبطًا مباشرة بموجة العنف المستمرة بين الاحتلال والفلسطينيين. وتعد العلاقة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والكيان الصهيوني ركنًا أساسيًّا تستند إليه تل أبيب منذ عدة عقود، وبالتحديد بعد اندلاع حرب عام 1967، وزاد في أكتوبر 1973، ولا شك أن هذا الدعم قد أنقذ الكيان الصهيوني بالفعل من العديد من الأزمات والمشكلات التي واجهتها خلال السنوات السابقة، ولا تزال أمريكا تضع إمكانيات بلدها وأمنها القومي تحت تصرف الكيان الصهيوني. منذ حرب 1967 وفرت واشنطن لإسرائيل أكبر قدر من الدعم بالمقارنة مع أي دولة أخرى، حيث جعلتها أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية والاقتصادية المباشرة، حيث تتلقى تل أبيب سنويًّا حوالي ثلاثة بلايين دولار كمساعدات أمريكية مباشرة، أي ما يقارب خمس ميزانية المساعدات الخارجية، أضف إلى ذلك منح أمريكا لتطوير أنظمة التسلح لدى إسرائيل، وخلال الفترة الأخيرة سلحتها بمروحيات "بلاك هوك" ومقاتلات "إف-16″، كما أن المساعدات الأمريكية لتل أبيب لا يمكن اختزالها في الجانب العسكري فقط أو السياسي، بل من خلال التغاضي الأمريكي عن الكثير من التجاوزات الصهيونية، حيث إن الكيان الصهيوني هو الوحيد الذي يتلقى المساعدات الأمريكية دون أن يُطلب منه تقديم كشف حساب عن الكيفية التي تم إنفاق أموال المساعدات بها، وهو استثناء يستحيل معه منع إنفاقها على أغراض تعارضها الولاياتالمتحدة ولو ظاهريًّا؛ مثل بناء مستوطنات في الضفة الغربية، كما أن واشنطن أتاحت لحليفتها الصهيونية الاطلاع على معلومات مخابراتية لا توفرها لحلفائها في منظمة حلف شمال الأطلسي، كما غضت الطرف عن حيازة تل أبيب للأسلحة النووية، وبالإضافة إلى ما سبق توفر الولاياتالمتحدة الدعم الدبلوماسي المستمر للكيان الصهيوني في المحافل والمنظمات الدولية. وبحجم تعدد مصادر الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني، كانت أيضًا مزاعم ومبررات هذا الدعم، حيث تصور الإدارة الأمريكية دائمًا الكيان الصهيوني بأنه الطرف الأضعف والمحاصر بدول "معادية بغيضة" تحاول النيل من استقراره، مما يجعلها مستحقة للدعم طبقًا للمزاعم الأمريكية، كما تعتبر إدارة واشنطن أن أمريكا والكيان الصهيوني يواجهان تهديد الجماعات الإرهابية التي تنطلق من الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ومجموعة من "الدول المارقة" التي تدعم الإرهابيين، وتسعى لحيازة أسلحة الدمار الشامل، لكن العالم أجمع أصبح على يقين بأن الصورة المغايرة هي الأقرب للحقيقة.