على الرغم من التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران والدول الست الكبرى، إلا أن شكوك طهران وضعت الكثير من علامات الاستفهام حول النوايا الأمريكية سيئة السمعة في الأصل لتطبيق هذا الاتفاق، فبعد مفاوضات شاقة استمرت لمدة 12 عاما، ظهرت إلى النور خطة العمل المشتركة الشاملة بين إيران والسداسية، تلتزم طهران بموجبها بوضع قيود على برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات عنها. وبعد التوصل إلى الاتفاق النووي تباينت ردود الأفعال الدولية حيال هذا الاتفاق، ففي الوقت الذي رحبت فيه معظم الدول بالاتفاق التاريخي، عارضته إسرائيل بشدة وأعربت السعودية عن شكوكها بشأنه، وفي بريطانيا صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية في وقت قريب "أنه لن يتم رفع العقوبات المفروضة على إيران على الفور وأن العملية قد تستغرق عدة أشهر في انتظار أن تتحقق وكالة الطاقة الذرية الدولية من التزام طهران بالإجراءات المتفق عليها". و على الصعيد الأمريكي قال وزير الخارجية جون كيري في بيان له "إن يوم إقرار الاتفاق النووي مهم لنا جميعا ومرحلة أولى حاسمة في العملية الهادفة للتأكد من أن البرنامج النووي الإيراني سلمي بحت"، كما قال مساعد رئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكية، إيلان برمن، إن الاتفاق النووي مع إيران سوف يعيد لها أموالاً طائلة كانت قد جمدت بموجب قانون العقوبات، وسوف يزيد من خطورة السياسة الخارجية الإيرانية، على حد قوله. من جانبها، بدأت وزارة الخزانة الأمريكية في الإجراءات لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بموجب الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس أوباما، للبدء في تبني الاتفاق الذي أبرمته القوى العالمية الست مع طهران في فيينا 14يوليو الماضي، وقال وزير الخزانة الأمريكية جاكوب ليو في بيان أنه على الرغم من أن يوم تبني القرار يعد إنجازاً مهماً، إلا أنه لن يتم رفع أية عقوبات في هذه المرحلة وسيتم تخفيف محدود وفقاً لخطة العمل المشتركة الموقعة في نوفمبر 2013 السارية، و جميع الأنشطة لأخرى التي تم فرض عقوبات عليها قبل يوم تبني الاتفاق بأن العقوبات مازالت سارية أما يوم تنفيذ القرار، فهو يأتي عندما يؤكد المفتشون الدوليين أن إيران نفذت التزاماتها وفقاً للاتفاق النووي و خطة العمل الشاملة المشتركة، وحينها سيتم رفع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. وقال مصدر مسؤول بوزارة الخزانة الأمريكية إنه على الرغم من قيام وزارة الخزانة بالبدء في إجراءات لرفع العقوبات عن إيران إلا أن الشركات لن تكون قادرة على القيام بصفقات وإقامة علاقات تجارية مع نظيراتها الإيرانية على الفور، حيث تستمر العقوبات حتى يثبت التزام إيران بتعهداتها في ظل الاتفاق وتراجعها عن أنشطتها النووية، موضحاً الفارق بين يوم تبني القرار ويوم تنفيذ بنود الاتفاق، وهي المرحلة الحالية التي يقوم خلالها المجتمع الدولي بالتأكد من تراجع إيران عن أنشطتها النووية والإيفاء بالتزاماتها، التي تشمل الحد من مخزونها من اليورانيوم المخصب، وتفكيك ثلثي أجهزة الطرد المركزي في مواقع نطنز وفوردو، ووقف مفاعل قادر التي ينتج البلاتينيوم، ووقف بناء مرافق نووية جديدة، إضافة إلى الالتزام أمام مفتشي وكالة الطاقة الذرية أن مفاعل أراك لا يتم استخدامه لأغراض عسكرية. و تابع المصدر أن المرحلة الحالية (ما بين تبني القرار وتنفيذه ) والتي قد تمتد لشهور، ستتيح للشركات العالمية معرفة العقوبات التي سيتم رفعها، وأشار إلى أن العقوبات التي تم رفعها حتى الآن تنطبق على الشركات التي تقوم بأعمال داخل إيران ( في أعمال الحرف اليدوية والسجاد ومبيعات طائرات الركاب المدنية ) ورفع أسماء أشخاص غير أمريكيين من لائحة العقوبات، إلا أن العقوبات مازالت سارية على المواطنين الأمريكيين في ظل العقوبات المنفصلة المفروضة على إيران بدعمها للإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان. و يقول مسؤولون أمريكيون إن المرحلة الحالية ما بين تبني القرار وتنفيذه قد تستغرق أربعة إلى ستة أشهر، أي أن تنفيذ رفع العقوبات قد يسري في عام 2016، كما أشاروا إلى أن الجانب الإيراني يسعى للإسراع من مرحلة تنفيذ القرار ورفع العقوبات الدولية في وقت قريب، لكن الإدارة الأمريكية ليست متعجلة في اتخاذ تنفيذ رفع العقوبات إلا بعد الحصول على تأكيدات من وكالة الطاقة الذرية في منتصف ديسمبر بالتزام إيران بتعهداتها . هذه التصريحات وغيرها من ردود الأفعال عززت من شكوك إيران من المراوغة المحتملة للولايات المتحدة في تنفيذ الاتفاقية على الوجه المرجو، حيث أشار رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني إلى أن الغرب قام بالتعامل مع الملف النووي الإيراني بالمكر و لغطرسة خلال الأعوام ال 12 الماضية وليوم من خلال حنكة المرشد الإيراني الأعلى قد أفضى هذا الملف إلى نتيجة وتمت المصادقة عليه في مجلس الشورى الاسلامي ومجلس صيانة الدستور، وأكد لاريجاني أن النظام الإيراني قد اختار الاتفاق النووي بيقظة مبيناً في الوقت نفسه أن هذا ليس معناه أنه إذا قام الآخرون بالخداع فإنه سيتجاهل ذلك. وفي السياق ذاته؛ أعلن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الاسلامي علاء الدين بروجردي: أنه لو أراد الأمريكيون والغربيون التلاعب حين تنفيذ الاتفاق النووي، فعليهم أن يعلموا بأنهم لا يمكنهم التعاطي بسخرية مع الشعب الإيراني، فهم قد جربوا جيداً هذا الشعب وهذا النظام على مدى الأعوام ال36 الماضية، وإذا ما حاول الغرب أن يتنصل عن التعاون اللازم في هذا المشروع ولم يلتزم بتعهداته عملياً، فإن الحكومة الإيرانية ملزمة بوقف التعاون وأن يعاود فوراً تطوير الصناعة النووية ورفع التخصيب إلى 190 ألف سو. تجلت هذه الشكوك بوضوح في رسالة المرشد الأعلى علي خامنئي للرئيس الإيراني حسن روحاني حيث حدد الشروط التي يجب اعتمادها في التعاطي مع تنفيذ الاتفاق، كما طالب فيها على ضرورة تقديم الرئيس الأمريكي والاتحاد الأوروبي تعهداً خطياً يقضي بإلغاء كافة أشكال الحظر، معتبراً فرض أي حظر جديد تحت أي ذريعة، يعد انتهاكاً للاتفاق، هذا وقد أعلن خامنئي في وقتٍ سابق الموافقة على القرار الذي صادق عليه المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني مع الأخذ في الاعتبار بأن هذه الموافقة مشروطة بعدة شروط. رسالة المرشد الإيراني وشكوكه حول مدى دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ ودرجة المماطلة الأمريكية في تطبيقه لاقت ردود أفعال في صحف العدو والصحف العالمية، حيث أشارت صحيفة "جيروزاليم بوست" الصهيونية إلى رسالة خامنئي، موضحة أنه أكد في هذه الرسالة ضرورة الحفاظ على طبيعة مفاعل أراك الذي يعمل بالماء الثقيل، أما صحيفة " الإندبندنت " البريطانية فقد أشارت إلى رسالة خامنئي، موضحة أنه أكد فيها استمرار العداء مع أمريكا ورفض أي تغيير في العلاقات بين طهران وواشنطن، وكتبت وكالة الصحافة الفرنسية أن المرشد الإيراني أشار إلى عدم الثقة بالولايات المتحدة ودعا المجلس الأعلى للأمن القومي إلى تشكيل لجنة للإشراف على الاتفاق كما اعتبر فرض أي حظر ضد ايران في مجال الارهاب وحقوق الانسان، يشكل انتهاكا لهذا الاتفاق. هذا وينص الاتفاق النووي في حال تنفيذه على إلغاء العقوبات الاقتصادية والمالية والنفطية وتلك المفروضة على الطيران المدني، والسماح لإيران بتصدير منتجات نووية كاليورانيوم المخصب والماء الثقيل، ورفع الحجز عن عشرات المليارات من الأرصدة الإيرانية في البنوك الأجنبية، كما ينص على إعادة فرض العقوبات خلال خمسة وستين يوماً إذا انتهكت إيران البنود. و في حال الاختلاف أثناء تطبيق الاتفاق تنظر اللجنة المشتركة المكونة من جميع الأطراف في أي خلاف يطرأ في مرحلة تطبيق الاتفاق لمدة 15 يوما، وإن عجزت اللجنة عن حلها تحال المشكلة إلى وزراء الخارجية، وفي حال لم تحل خلال 15 يوماً، تحال المشكلة إلى لجنة استشارية مؤلفة من ثلاثة أشخاص بينهم عضو مستقل، وفي حال استمر الخلاف، تحال المسألة إلى مجلس الأمن، الذي سيصوت بدوره على رفع أو استمرار الحظر المفروض على إيران، و في حال فشل مجلس الأمن في استصدار أي قرار، يعاد فرض عقوبات الأممالمتحدة على طهران من جديد.