راهن كثيرون على تغير الموقف الروسي من سوريا على خلفية الأزمة الأوكرانية! وهو رهان خاطيء تماما، لأن روسيا حققت ما تريده في أوكرانيا بضم القرم رسميا لروسيا الاتحادية في 21 مارس 2014م، ثم نقلت الصراع وخط المواجهة الدولية مع حكومة كييف من الجنوب للشرق في إقليمي دونيتسك ولوجانسك! واليوم صار أقصى أمل المعسكر اليورو-أمريكي هو تجميد خطوط التماس بين قوات الانفصاليين الموالية لموسكو في الإقليمين، وبين القوات الأوكرانية، فقد رأى وزير الخارجية الألماني "شتاينماير" في ذلك تقدما كبيرا وفق ما أعلنه في 13 سبتمبر (أيلول) الجاري. بينما اكتفت أمريكا اليوم 25 سبتمبر بتصريح ضبابي لوزير دفاعها "آشتون كارتر" حول تدريب أمريكا 900 من قوى الأمن الأوكرانية، ودعمها أوكرانيا للدفاع عن حدودها. والآن، هل هناك من يتكلم عن القرم خارج سياق روسيا الاتحادية؟ هل هي منطقة نزاع؟ لا، فالوضع هاديء ومستقر جنوبا! بينما يعلن الانفصاليون في دونيتسك ولوجانسك شرقا أنهم سيجرون انتخاباتهم كجمهوريات مستقلة في أكتوبر (تشرين أول) المقبل. هل هذا وضع روسي يقتضي تنازلات ومقايضة؟ الواضح جدا أن العكس هو الصحيح! لقد هزم الواقع الميداني مؤامرات الغرف المغلقة في أوكرانيا كما في سوريا على السواء! نشرت جريدة الشرق الأوسط في 30 مايو 2015م عنوانا رئيسيا حول تغير الموقف الروسي من الأزمة السورية هو؛ "موسكو تمهد لسوريا بدون الأسد"! وزعمت الجريدة السعودية أن الاستدارة الروسية المزعومة جاءت استجابة لمطالب خليجية، وفي إطار محاولة روسيا لتقليل الآثار الاقتصادية للعقوبات عليها بسبب أزمة أوكرانيا!! يعني بالخليجي الفصيح "اشترينا موقف روسيا"! هكذا – وبمنتهى الصلف والوقاحة – قدر طوال العمر، قصار الباع والذراع، أن مواقف روسيا الاتحادية معروضة للبيع! فكيف حال جريدة "الشرق الأوسط" اليوم؟ وهي ترى الموقف الروسي يتقدم ويتطور في الخط ذاته دون أدنى انحراف فضلا عن الاستدارة، بينما يستدير حلفاؤهم الغربيون تباعا؟ كيف حالهم و"جيف هاموند" الذي قال في 2 يونيو الماضي أن "الأسد جزء من مشكلة داعش وليس جزءا من الحل"، يقول في 11 سبتمبر الجاري "بريطانيا قد تقبل بوجود الأسد كرئيس لفترة انتقالية لو كان هذا يساعد على الحل"؟ والمستشارة الألمانية "ميركل" التي زارت الجنود الألمان المتواجدين على الحدود التركية السورية ضمن حلف الناتو في 23 فبراير (شباط) لتقول "أن روسيا والصين تدركان اليوم بصورة متزايدة ضرورة رحيل الأسد"، عادت اليوم لتتحدث عن "وجوب إشراك الأسد في أي مفاوضات"؟ أما فرنسا فقد اختارت – كالعادة – موقفا رماديا ومتناقضا! إذ قال وزير خارجيتها "لوان فابيوس" في 21 سبتمبر "أن بلده لن تطالب برحيل الأسد كشرط مسبق لأي مفاوضات"! بينما قال رئيسه "هولاند" قبل ذلك بأسبوعين فقط "رحيل الرئيس السوري بشار الأسد ضروري للتوصل إلى مرحلة انتقالية"! أما الاستدارة الأكثر طرافة فكانت كالعادة من نصيب الولاياتالمتحدة، ففي 15 مارس 2015م قال "كيري" أن الولاياتالمتحدة مستعدة للتفاوض المباشر مع الرئيس الأسد في إطار اتفاقية جنيف! وهنا ثارت ثائرة السياسة الخليجية، حتى أصدرت الخارجية الأمريكية بيانا جاء فيه أن موقف الولاياتالمتحدة ثابت تجاه سوريا وأنها لا تؤيد مبدأ التفاوض المباشر مع الرئيس الأسد!! الخارجية تصدر بيانا يعارض تصريحات علنية لوزيرها! ثم يعود "كيري" في 19 سبتمبر الجاري لتأكيد ما قاله قبلا، داعيا روسيا للتأثير على الأسد ليقبل بالتفاوض المباشر! تطور روسيا موقفها الداعم للدولة السورية بتزايد أعداد الخبراء الروس وتدفق السلاح، وبرد المتحدث باسم الكرملين "ديمتري بسكوف" على تصريحات وزير الخارجية السوري "وليد المعلم" حول احتمال طلب قوات روسية بأن روسيا مستعدة لدراسة أي طلب من دمشق، بينما تتبنى الولاياتالمتحدة سياسة النواح! فيقول "أوباما" أن "استراتجية روسيا القائمة على دعم نظام بشار الأسد في سوريا آيلة إلى الفشل"، في تصريح أجوف يليق برئيس جمهورية من جمهوريات الموز وليس برئيس قوة عظمى! لم يتبق للمعولين على تبدل لم يحدث في الموقف الروسي إلا التهويل في صحفهم حول "مواجهة عسكرية بين الولاياتالمتحدةوروسيا في سوريا"! وهو تهويل يليق بتلاميذ المدارس ولا يستحق الرد عليه قطعا! هم يتحدثون بلغة سياسية من الماضي، تعود لبدايات الحرب الباردة حيث كان هذا العنوان يستخدم مع كل أزمة، قبل أن تثبت الحرب الباردة نفسها أن فرضية المواجهة المسلحة بين القوتين الأكبر عسكريا في العالم هي فرضية غير قابلة للحدوث ولا ترغبها أي منهما، لأن كلفتها فوق طاقة الجميع! لم يبق لهؤلاء إذن غير القبول بالأمر الواقع وأن يكونوا خاسرين جيدين. قديما قالت إمبراطورة روسية أن باب الأمن القومي الروسي في القرم، ومفتاح الباب في دمشق. وبوتين لن يقايض على الباب بالمفتاح ولا العكس.