تمر علينا هذه الأيام الذكري 42 علي حرب السادس من أكتوبر 1973 التي حقق فيها الجيش المصري بدعم شعبه انتصارا علي العدو الصهيوني "إسرائيل" وبالعودة إلي التاريخ المصري القديم نجد أن الفراعنة "قدماء المصريين" عرفوا العسكرية منذ تأسيس الدولة الفرعونية و وضعوا منظومة حربية دقيقة التنظيم، فكان لكل إقليم من الأقاليم المصرية جيش خاص به يحميه، ولكن بعد حرب التوحيد المصرية أصبح لمصر جيش موحد تحت إمرة ملك مصر،بعد توحيد الملك مينا لمصر. وقال أحمد عامر، الباحث الأثري، إن مصر عرفت العسكرية وشئون القتال منذ فجر التاريخ، وكان الجيش عبارة عن مجموعة من الأفراد المسلحين والمدربين يكلفون بأعمال القتال البرية، ويتألف من الأفراد الذين يتدربون عسكرياً للدفاع عن الدولة، بالإضافة إلي أفراد قوات الاحتياط الذين يُدربون علي القتال، وتطورت في خلال التاريخ نظم الجيوش تبعاً لتغيير النظم الاجتماعية والعقائد السياسية عند الشعوب. وأضاف "عامر": أخذت الجيوش أنماطاً مختلفة علي مر العهود ولا يُخفي أيضاً مدي ما كان لتطور الأسلحة من آثار علي تنظيم الجيوش فضلاً عن التطور التكنولوجي، ففي أحد الأزمان كانت المشاة عماد الجيوش وقوامه، وفي زمانٍ آخر استبدلوا المشاة بالفرسان المسلحين، كما أننا نري اليوم المدرعات الميكانيكية يقع علي عاتقها أعنف مراحل القتال، ويُعد الجيش المصري قديما قدم الدولة المصرية والتي تضرب بجذورها العريقة إلى أبعد من التاريخ المسجل. وأوضح أن الجيش مر بعدة مراحل عكست التحديات التي واجهتها مصر، كما عكست تطور مفهوم وحدود الأمن القومي المصري، كما حدث تطور نوعي للجيش المصري منذ أن تشكل من قوات من المرتزقة بهدف صيانة الأمن في عهد الدولة القديمة، ومنها إلى تطوره إلى جيش نظامي يعتمد على تجنيد الشُبان وقت الأزمات في عهد الدولة الوسطى وصولاً إلى ذروة المجد عندما تشكل الجيش المصري من مقاتلين مصريين يتخذون العسكرية مهنة، حيث اصطبغ أداء الجيش بالاحترافية والاتقان وتميز تسليحه بالتطور والتفوق النوعي الواضح مقارنةً بالجيوش التي واجهته، وتميز بالفكر الإستراتيجي والتكتيكي العالي الذي ميز قادته من الفراعنة العظام فيما يعرف بعصر الإمبراطورية المصرية. وتابع "الجيوش في معظم العصور كانت تتآلف من الجنود المحترفين أو المتطوعين أو المرتزقة هؤلاء الذين يحاربون سعياً وراء الغنائم والحصول علي المال أو الشهرة والمغامرة، وفي بعض الأزمنة تألفت الجيوش من الوطنيين الذين يقاتلون في سبيل الدفاع عن أوطانهم ومن أجل المُثل العليا، وهؤلاء يعتبرون القتال حقاً لهم وليس واجباً، وهكذا تنوعت وتطورت نظم الجيوش بين الشعوب مواكبة تطور الأحوال الاجتماعية في العالم، ولقد كانت مصر منذ القدم أسبق الأمم في تكوين الجيوش المنظمة والمدربة منذ أيام الدولة القديمة". وأشار إلي أن الجيش الوطني نهض منذ أيام تكوينه بأروع الواجبات، وصلة هذا الجيش بتاريخ مصر وثيقة منذ ستة الآف عام وهذه المدة علي وجه التقريب هي أيضاً تاريخ الجيش المصري فقد عاشت مصر أمه مستقلة ذات سيادة خلال معظم تلك السنين الطوال بفضل زعائمها من رجال الإدارة والجيش ومجهود شعبها الحي. وأضاف "عامر" أنه ظهر في عصر الدولة القديمة حاميات خاصة للقلاع، وبدأ استقرار كبير في تنظيمات الجند نلحظه في عهد الملك "زوسر"، ولما انصرفت مصر في ذلك العصر إلي الاهتمام بالجوانب الحضارية لم يكن هناك ما يعكر صفو أمنها سوي غارات البدو علي المناطق الزراعية أو التعدين، ومن أشهر الأمثلة علي الحملات في الدولة القديمة حملات "وني" وتكونت هذه الحملات من آلاف الجند برئاسة "وني". وأكد أن جيش "وني" تكون من قواسه وحاملي مقامع، أما في عصر الانتقال الأول تشير نصوص "عنخ بيفي" إلي كان هناك فرق عسكرية ظاهرة في تلك الصراعات التي كانت في أحيان كثيرة تقوم فيما بين الأقاليم في غياب سلطة مركزية. واختتم: بينما نجد في العصر الإهناسي أنه تمت الإشارة للاهتمام بتدريب الجند وتنظيم شئونهم، ومن هذا العصر جاءت لنا أقدم إشارات تفيد أن العسكريين أصبحوا طائفة مستقلة تتقلي رواتبها من عطايا الدولة، أما في عصر الدولة الوسطي استقرت أحوال العسكرية المصرية وزاد الاهتمام بالفرق الخاصة التي تحمي الملك والعاصمة وأصبحت تعرف باسم أتباع الحاكم وكانت تتكون من ضباط وجنود غاية في الكفاءة، ولم تكن هناك حروب في عصر الدولة الوسطي لكنها كانت مجرد غارات، كما أننا نجد أنه في عصر الدولة الحديثة نشأت مراحل طرد الهكسوس، فقد وجدنا الملك في عصور الدولة الحديثة غالباً يذهب بنفسه علي رأس جيش في حملاته وإن كبار ضباطه كانوا من العائلات الكبرى والأشراف.