يحتفل المصريون بالذكري 45 على رحيل الزعيم جمال عبد الناصر، الذي دشن سلسلة من المشروعات القومية الكبيرة التى كانت تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي لطبقة العمال الفلاحين عقب ثورة 23 يوليو 1952، وتحقيق العدالة الاجتماعية التي كنا ومازلنا نسعي لتحقيقها رغم مرور أكثر من 60 عاما علي ذكري الثورة. المؤسف أن معظم المشروعات ماتت مع وفاة عبد الناصر، ومجىء عصر الانفتاح في عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، الذي أثر بالسلب علي أوضاع وحقوق الفلاحين والعمال، وهما الفئات التي انحاز لها عبد الناصر طول فترة حكمه. أصدر عبد الناصر قانون الإصلاح الزراعى الأول فى 9 سبتمبر 1952، وحددت المادة الأولى الحد الأقصى للملكية الزراعية ب200 فدان للفرد، وقرر القانون توزيع الأراضي الزائدة على صغار الفلاحين بواقع 2 إلى 5 أفدنة، على أن يسددوا ثمن هذه الأراضي على أقساط لمدة ثلاثين عاما، كما تم إنشاء الجمعيات الزراعية فى كل قرى مصر. وبعدها تم البدأ في أضخم وأهم مشروعات الثورة "السد العالى" من أجل الزراعة فى المقام الأول، والذى وفر كميات المياه اللازمة لتحويل رى الحياض إلى رى دائم، وبفضله تم استصلاح ما يقرب من 2 مليون فدان، واستطاعت مصر فى عهد عبد الناصر أن تحقق الاكتفاء الذاتى من كل محاصيلها الزراعية ماعدا القمح الذى حققت منه 80% من احتياجاتها. وفى عام 1969، وصل إنتاج مصر من القطن إلى 10 ملايين و800 ألف قنطار، وهو أعلى رقم لإنتاج محصول القطن فى تاريخ الزراعة المصرية على الإطلاق، كما وصلت المساحة المزروعة أرز فى مصر إلى ما يزيد على مليون فدان وهى أعلى مساحة زرعت فى تاريخ مصر، وتم تجربة زراعة أنواع جديدة من القمح كالمكسيكى، وجيزة 155. وفى المجال الصناعى، تم إنشاء المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى فى سبتمبر 1952، وصدرت خطة الاستثمارات العامة فى يوليو 1953 وهى خطة طموحة لمدة 4 سنوات بدأت بمقتضاها الدولة باستصلاح الأراضى وبناء مشروعات الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب، وشركة الأسمدة "كيما"، ومصانع إطارات السيارات الكاوتشوك، ومصانع عربات السكك الحديدية "سيماف"، ومصانع الكابلات الكهربائية، وبعد السد العالى، وفى الستينيات، مُدت خطوط الكهرباء من أسوان إلى الإسكندرية، كم تم بناء المناجم فى أسوان والواحات البحرية، وتم تمويل كل هذه المشروعات ذاتيا، وفى 26 يوليو 1956، أمم الرئيس جمال عبد الناصر شركة قناة السويس وردها إلى مصر. وعقب العدوان الثلاثى تم تمصير وتأميم ومصادرة الأموال البريطانية والفرنسية فى مصر، وتم إنشاء المؤسسة الاقتصادية عام 1957، التى تعتبر النواة الأولى للقطاع العام المصرى، وألت إليها كل المؤسسات الأجنبية الممصرة. وفى 13 فبراير 1960، أمم الرئيس عبد الناصر بنك مصر أكبر مصرف تجارى فى البلاد وكل الشركات الصناعية المرتبطة، بعدما سقط هذا الصرح العملاق تحت سيطرة الاحتكارات البريطانية والأمريكية، استرده عبد الناصر لمصر، وفى يوليو 1961، صدرت القرارات الاشتراكية وبدا واضحا أن النظام يتجه نحو نوع من الاقتصاد المخطط تحت إشراف الدولة وبقيادة القطاع العام. واستطاعت مصر عبر تلك الإجراءات تحقيق نسبة نمو من عام 1957 – 1967 بلغت ما يقرب من 7 % سنويا، ما يعنى أن مصر استطاعت فى عشر سنوات من عصر عبد الناصر أن تحقق تنمية تماثل أربعة أضعاف ما استطاعت تحقيقه فى الأربعين سنة السابقة على عصر الزعيم، متفوقة على العديد من الدول الصناعية الكبرى، مثل إيطاليا التى حققت نسبة نمو تقدر ب4.5 % فقط فى نفس الفترة الزمنية. وبدأت مصر مع الهند ويوغوسلافيا منذ بداية الستينيات مشروعا طموحا لتصنيع الطائرات والصواريخ والمحركات النفاثة والأسلحة، وحتى سنة 1967 كانت مصر متفوقة على الهند فى صناعة الطائرات والمحركات النفاثة، وتم صنع الطائرة النفاثة المصرية القاهرة 300، كما صنعت مصر أول صاروخين من إنتاجها بمساعدة علماء الصواريخ الألمان، لكن شابهما عيوب في أجهزة التوجيه. لكن سرعان ما توقفت هذه المشروعات مع وفاة عبد الناصر، خاصة مع بداية حقبة السادات والاعتماد علي النظام الرأس مالي، بعد أن كانت الاشتراكية هي السمة الغالبة علي سياسات عبد الناصر، مرورا بعهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك وثورة 25 يناير التى رفعت شعار «عيش حرية عدالة اجتماعية»، انتهاء بعهد الرئيس الحالى عبد الفتاح السيسى، الذى مازال يبحث عن حل لأزمة أرض الضبعة التي من المفترض إقامة مشروع المحطة النووية عليها، بجانب تعثر مشروع استطلاح المليون فدان.