دخل الاتفاق النووي الإيراني حيز التنفيذ بعد مشادات كثيرة في الكونجرس بشأن تمرير الاتفاق من عدمه، حاول خلالها الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" استمالة الأعضاء الجمهوريين للتصويت لصالح الاتفاق، مهددًا باستخدام الفيتو في حالة الوصول إلى طريق مسدود، وهو ما أنقذه منه الأعضاء الديموقراطيون المؤيدين للاتفاق النووي. بدأت الإدارة الأمريكية رسميًا الخميس بتطبيق الاتفاق النووي الدولي التاريخي الموقع مع إيران في يوليو الماضي، حيث تمثلت أول خطوات واشنطن الرمزية في تعيين السفير الأمريكي السابق لدى بولندا "ستيفن مول فير" كمنسق رئيسي لتنفيذ الاتفاق النووي مع إيران، وأعلن وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"،الجمعة، تعيين "مول" نظرًا لخبرته العملية في المسائل النووية والعقوبات، ولفت "كيري" إلى أن "ستيف سيقود المسعى المشترك للوكالات المعنية لضمان تنفيذ الخطوات النووية التي تعهدت بها إيران في الاتفاق، والتحقق منها بشكل كامل وضمان أننا وشركاءنا نتخذ الإجراءات التبادلية بشأن العقوبات في أعقاب الخطوات النووية"، وسيرأس "مول" فريقاً مكوناً من عدة خبراء في الاقتصاد والعلوم والاستخبارات، يكون مقرهم في وزارة الخارجية الأمريكية. شهد الكونجرس مناقشات حادة لم ينجح خلالها الرئيس الأمريكي في إقناع أي جمهوري بمجلس الشيوخ بمبادرته الدبلوماسية لتمرير الاتفاق النووي الإيراني، وكان أمام الكونجرس مهلة تنتهي في 17 سبتمبر الجاري ليبدي رأيه في الاتفاق، لكن منذ الأسبوع الماضي بات معروفًا أن الجمهوريين لن يتمكنوا من جذب عدد كاف من الديموقراطيين لتحقيق اغلبية الثلثين المطلوبة لتجاوز فيتو رئاسي. فشلين متتالين مني بهما الكونجرس في محاولته أعضاءه الجمهوريين عرقلة الاتفاق النووي والعودة إلى نقطة الصفر، ففي المرة الأول ارتفع عدد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي المؤيدين للاتفاق النووي مع إيران إلى 41 عضو مقابل 58 رافضين له، مما أتاح للديموقراطيين عرقلة التصويت، كون إتمامه يتطلب حضور ستين في المائة من أعضاء مجلس الشيوخ، البالغ عددهم مائة، الأمر الذي يمنع التصويت على الاتفاق في الكونجرس، ويجنب الرئيس "باراك أوباما" استخدام الفيتو ضد أي محاولة لإسقاط مشروع الاتفاق في الكونجرس. وفي المرة الثانية أفشل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي، مشروع قانون يرمي إلى عرقلة الإتفاق النوويّ مع ايران، حيث نظم زعيم الأغلبية الجمهورية في المجلس السيناتور "ميتش ماكونيل" الاقتراع الثاني في محاولة منه لاستمالة إثنين على الأقل من الديمقراطيين للتصويت لمصلحة قرار بعدم الموافقة على تمرير الاتفاق النووي، لكن محاولاته باءت بالفشل فلم يحصل الجمهوريون على ال60 صوتاً اللازمة في المجلس المؤلف من مائة عضو لإقرار مشروع قانون لمنع الاتفاق من المضي قدمًا في مجلس الشيوخ. قال الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" حول فشل تصويت مجلس الشيوخ ومحاولة تعطيل الاتفاق فيينا، إن "هذا التصويت انتصار للدبلوماسية وللأمن القومي للولايات المتحدة ولأمن العالم"، وأضاف "أوباما"، "سنركز بعد الآن على العمل الأساس الذي يتمثل في تطبيق هذا القرار والتحقق من تنفيذه لمنع إيران من امتلاك سلاح ذري". وبشأن فشل الحزب الجمهوري في الكونجرس في عرقلة الاتفاق قال وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" إن المشاكل الموجودة في أمريكا هي شأن داخلي أمريكي وعلى الإدارة الأمريكية أن تبذل قصارى جهدها لتطبيق محصلة مفاوضات فيينا"، وتابع أن "أمريكا يجب ان تفي بالتزاماتها، أكان الديمقراطيون أم الجمهوريون فالأمر سيان، لأن الأمور يجب أن تسير وفقًا للقانون، ويجب أن يكون هناك التزام بالتعهدات"، وحذر "ظريف"، معارضي الاتفاق النووي في الولاياتالمتحدة وإسرائيل من العمل على إفشاله، داعيًا إياهم إلى احترام موقف المجتمع الدولي، كما أكد "ظريف" أن ايران ملتزمة بتعهداتها ازاء اتفاقية فيينا، وقد آن أوان التحقق من نوايا امريكا تجاه رفع الحظر عن طهران. بذلك الانتصار الدبلوماسي الإيراني، سيكون على طهران ابتداء من يوم 18 أكتوبر البدء بتنفيذ المطلوب منها حتى موعد يتم تحديده في وقت لاحق، ويدعى ب"يوم التنفيذ"، تصدر بعدها الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا يبين فيه مدى التعاون الإيراني في تنفيذ المطلوب منها بحسب الاتفاقية، وإذا اتمت إيران كل ما هو مطلوب في الاتفاق النووي فتقوم عندها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على طهران. وكانت إيران واللجنة السداسية "الولاياتالمتحدة وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا والمانيا" توصلتا إلى اتفاق نهائي تاريخي بشأن برنامج طهران النووي، في 14 يوليو الماضي، وسط ترحيب دولي وعالمي بالاتفاق الذي انهى سنوات من الصراع الأمريكي الإيراني حول البرنامج النووي، وفي 20 يوليو الماضي صادق مجلس الأمن الدولي على القرار بالإجماع، إلا أن التنفيذ العملي لبنود الوثيقة لا يمكن أن يبدأ إلا عقب موافقة الكونجرس الأمريكي والبرلمان الإيراني عليها، وهو ما حدث بالفعل.