تغيرت لهجة المسئولين الأمريكيين تجاه جبهة النصرة خلال الفترة الأخيرة، والتي تعد فرعًا من فروع القاعدة في سوريا، فالبرغم من وضع واشنطن هذا التنظيم في السابق على قوائم الإرهاب، تؤكد كل المؤشرات والدلالات الأخيرة أن أمريكا وحلفائها تجهز النصرة كي تكون الحليف القادم لمحاربة التنظيمات الإرهابية والنظام السوري. هذه الدالات والمؤشرات ظهرت جليًا في تصريحات الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، المدير السابق لوكالة الاستخبارات (سي آي أيه)، بقوله إن على واشنطن أن تسعى لضم «بعض مقاتلي» جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، إلى التحالف الذي تقوده ضد «الجهاديين» في هذا البلد، وأضاف في تبريره لهذا الطرح « بعض مقاتلي هذه الجماعة انضموا إليها بدوافع انتهازية أكثر مما هي دوافع إيديولوجية»، وبالتالي يمكن للولايات المتحدة أن تجتذب المقاتلين «الذين يرغبون بترك جبهة النصرة والالتحاق بصفوف المعارضة المعتدلة ضد داعش ونظام بشار الأسد». مراقبون يرجحون أن واشنطن ارتأت بأن جاء الوقت للإسفادة من هذا التنظيم من أجل استكمال إستراتيجيتها في سوريا، وإذا لم يكن بالإمكان التحالف معه وإعلان برائته من الإرهاب، فلا مانع من تهيئته إعلاميًا وسياسيًا ليكون رأس الحربة الأساسي في الكيان الذي تسعي واشنطن لإنشائه ليكون جيش مواز للجيش السوري مكون من «المعتدلين» بحسب زعمها. مؤشرات أخري سبقت تصريحات بترايوس، جاءت من أنقره حليفه واشنطن في الشرق الأوسط، حيث سبقت تركيا، وحاولت إقناع واشنطن بهذ بالقبول بجبهة النصرة كفصيل معتدل لمحاربة التنظيمات الإرهابية والنظام السوري، وهو ما اتخذته أنقره في حربها ضد الأكراد في شمال سوريا، عندما أمرت «النصرة» بالانسحاب من المنطقة، وجنّدتها ضد «حزب العمال الكردستاني»، فضلاً عن ذلك فالمفاوضات لإطلاق أي مخطوف لدى الجبهة تتم عن طريق المسئولين الأتراك مباشرة، فضلًا عن أن الجبهة ذاتها أبدت «اعتدالاً» عندما تجنبت أي حديث عن إسرائيل ككيان معادي والتي تكفلت معالجة جرحاها في أكثر من مرة بمستشفيات الكيان الصهيوني. اتخذت النصرة من واشنطن خصما إعلاميًا، برز ذلك مع خطف الجبهة مقاتلين سوريين مدربين ضمن البرنامج الأمريكي للمعارضة المعتدلة، متهمة إياهم بالتعاون مع الغرب، إلا أن ثمة تحليلات ظهرت تقول إن الضربة التي وجهتها جبهة النصرة للقوات التي دربتها أمريكا كانت تستهدف إيصال رسالة واضحة إلى أمريكا وحلفائها أن جبهة النصرة مستعدة أن تكون ظهيركم في سوريا بدلا من إنفاق كل هذه الأموال على صناعة معارضة ليست موجودة على أرض الواقع. وظهر هذا الطرح من قبل جبهة النصرة بوضوح في المقالة التي نشرتها صحيفة واشنطن بوست الشهر الماضي للقيادي في حركة "أحرار الشام" المعروفة بقربها من جبهة النصرة لبيب النحاس، والذي غازل فيها الإدارة الأمريكية لتضع جماعته ضمن معارضة الاعتدال،وجهت هذه الرسالة لأمريكا بعدما تم التسويق من قبل تركيا وقطر منذ فترة ل"النصرة" على أنها فصيل سوري "معتدل" تطالبه فقط بالخروج من تحت عباءة القاعدة، وكان ظاهرًا ذلك في ظهور أبو محمد الجولاني، أمير النصرة، على قناة الجزيرة وتوصيفه بأنه "ثائر سوري"، رغم مبايعته للظواهري.