زيارة عاهل السعودية، الملك سلمان بن عبد العزيز إلى الولاياتالمتحدة التي بدأت رسمياً أمس بلقاء قمة بينه وبين الرئيس الأميركي باراك أوباما، تأتي كتأشير نهائي على إعادة ترتيب العلاقات بين الرياضوواشنطن بعد فترة من التباين في الرؤى بين الحليفين، تجاه عدد من الملفات والقضايا في المنطقة أبرزها الاتفاق النووي الإيراني، وامتداد هذا التباين حتى قبل تولي الملك سلمان الحكم أوائل العام الجاري، خاصة فيما يخص موقف المملكة إبان حكم الملك السابق من جماعة الإخوان المسلمين ومواجهة نفوذهم المتصاعد بدعم حلفاء الجماعة في قطرتركيا على حساب نفوذ الرياض في المنطقة عامة والخليج على وجه الخصوص، وهو ما ترتب عليه عدد من الإجراءات التي شرعها الملك عبد الله في أواخر شهور حكمه تجاه عدد من الدول العربية، فمن دعم الإطاحة بحكم الجماعة في مصر ودعم نظام الثلاثين من يونيو، مروراً بالتعاون معه ومع أبو ظبي في تحالف بلغ أوجه في 2014 لتقليص نفوذ الجماعة وتركياوقطر في المنطقة ابتداءً من منطقة الخليج واليمن وحتى ليبيا، وهو ما أدى إلى نشوب أزمة سياسية في العام نفسه بين المملكة والإمارات من جهة وبين قطر من جهة أخرى، انتهت بما يعرف بالمصالحة الخليجية في الربع الأخير من العام الماضي. وشملت الإجراءات والقرارات التي اتخذها الملك عبدالله في هذه الفترة أيضاً تقليص النفوذ السعودي المسلح في سوريا، بعد انفلات ظاهرة داعش في نفس العام، وتحولها لخطر على أمن المملكة، وأيضاً كان يرتبط ذلك بالصراعات الداخلية في البيت السعودي الحاكم، ورغبة الملك في تقليص نفوذ أمراء نافذين مثل بندر بن سلطان، الذي كان يتولى الملف السوري بإستراتيجية هجومية منذ اندلاع الأزمة، ونقله إلى وزير الداخلية وولي العهد الحالي،محمد بن نايف، لإدارته بإستراتيجية وقائية لشهور قليلة حتى وفاة الملك، وصعود المنظومة السديرية الجديدة والإطاحة بنفوذ جناح الملك عبدالله وتغيير سياسات المملكة في الدول سابقة الذكر وتحولها إلى النقيض. وإزاء هذه الصورة، كان لابد للمنظومة السعودية بعد ترتيب أوراقها داخلياً وإقليمياً خلال الشهور الثمانية المنصرمة، والتي تخللها قرار الحرب على اليمن والاتفاق النووي الإيراني وحرب تخفيض أسعار النفط، أن يعيدوا ترتيب العلاقة الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة، وفيما ذهب بعض المحللين أن الزيارة الأخيرة للملك سلمان تشبه لقاء الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وهو اللقاء الذي وضع الخطوط العريضة لتحالف الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة قبل 70 عام. والأن حيث التغيرات التي عصفت بالمنطقة وبمفاعيل العلاقة بين السعودية وحلفائها واعدائها وكذلك مفاعيل علاقتها بالولاياتالمتحدة (أمن المملكة-النفط) فأن الزيارة الأخيرة قد يصح وصفها بالإستراتيجية لتعديل أسس العلاقات بين البلدين طبقاً للمتغيرات السابقة، ولعقود قادمة وليس فقط بين إدارة أوباما ومنظومة الملك سلمان. فيما يخص السياق السابق، رأى رأى الباحث والمحلل السياسي المتخصص في شئون دول الخليج، سايمون هندرسون، أن هذه الزيارة في ظل المتغيرات سابقة الذكر داخل المملكة وخارجها، تأتي لرأب التباين بين الولاياتالمتحدة وبين السعودية ولمدى استراتيجي، خاصة وأن إدارة أوباما في عامها الأخير، وأن الحالة الصحية والذهنية للملك سلمان لا تعطيه مدى أو فاعلية في الحكم لوقت طويل، وأن هذه الزيارة يقف وراء تنظيمها في الكواليس ولي ولي العهد، محمد بن سلمان، الشاب الطموح الصاعد بسرعة في مسار السياسة والحكم والذي من المتوقع أن يؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ المملكة في المستقبل، بصفة أنه الملك المستقبلي الذي يحظى بفرصة بقاء في الحكم لمدة طويلة، على أساس أن التغيرات التي حدثت في البيت السعودي تؤشر إلى أن بقاء ولي العهد الحالي، محمد بن نايف في الحكم بعد وفاة أو تنازل سلمان لن تكون طويلة، بالحد الأدنى لأنه ليس له وريث ذكر، وأن طموح بن سلمان لن يستطيع الانتظار ليصبح ملكاً، موضحاً بالقول أن " العاهل السعودي الذي يبلغ من العمر 79 عاماً، بقدرة بدنية وعقلية محدودة للدبلوماسية. فسوف يغادر على متن طائرة في رحلة من المغرب كان قد قضى فيها إجازة الشهر الماضي بعد أن اختصر إقامته المقررة في جنوبفرنسا بسبب نزقه. ومن المتوقع أن تكون محادثاته الرسمية مع الرئيس أوباما قصيرة ونصها مكتوباً أيضاً – ويحتمل أن يكون ابنه المفضل الأمير محمد بن سلمان الذي يتراوح عمره حوالي ثلاثين عاماً والذي يشغل منصب وزير الدفاع وولي ولي العهد، الشخصية الأكثر أهمية أثناء المحادثات. أما وريث الملك النظري الواضح – ابن أخيه ولي العهد الأمير محمد بن نايف البالغ من العمر ستة وخمسين عاماً – فسيبقى في المملكة(..)والأمير محمد بن سلمان هو الآن أقرب مساعدي والده، الذي شجع طموحه وصعوده المبهر في الأشهر القليلة الماضية. فبالإضافة إلى اعتباره كمهندس الحرب التي تشنها بلاده في اليمن بهدف إعادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى سدة الحكم، بعد أن أُزيح من السلطة من قبل المتمردين الحوثيين الموالين لإيران، فقد تم استخدام الأمير محمد بن سلمان كمبعوث دبلوماسي كبير، حيث قام بزيارة مصر وروسيا والأردن. وفي حين كان العاهل الراحل الملك عبد الله حاسماً في امتعاضه ل «الإخوان المسلمين»، إلا أن الملك سلمان – أو ربما الأمير محمد بن سلمان في واقع الأمر – يميز بين القوى المتطرفة وتلك الأقل تطرفاً في صفوف «الجماعة». ويتماشى هذا النهج مع رؤيته الأكثر عمومية المتمثلة بتقريب وجهات النظر بين دول العالم العربي، والمدفوعة في جزء كبير منها لمواجهة إيران. ومن هنا جاء الائتلاف الواسع الذي جمعته حولها الرياض [للحرب في] اليمن، فضلاً عن جهودها في سوريا، حيث ترى المملكة أن الصراع ضد نظام الأسد الذي تدعمه إيران يُعتبر امتداداً للتنافس الفارسي/ العربي الأوسع". ويشير هندرسون في تعليقه على الزيارة المنشور في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إلى "أن الأمير محمد بن سلمان سوف يتوخى الحذر لتجنب التفوق على الملك سلمان، إلا أن وجوده إلى جانب الملك سيعود بالنفع على منصبه كما يُرجح، وقد يعني ذلك أنه سوف يخلف والده في النهاية بدلاً من ولي العهد الأمير محمد بن نايف. لذا، فعلى الرغم من وجود مجموعة من الخلافات بين واشنطنوالرياض، تشكل الزيارة فرصة أخرى للمسئولين الأمريكيين لتطوير علاقتهم مع الأمير محمد بن سلمان، الذين تفاعلوا معه بالفعل في قمة كامب ديفيد. وبغض النظر عما سيحدث داخل الاجتماع، فإن أي بيان يصدر في أعقاب الزيارة سيحاول تغطية هذه الخلافات". هندرسون ألقى الضوء أيضاً أن الزيارة لا ترتبط فقط بشأن سياسي سواء على مستوى الحكم في المملكة أو سياستها في المنطقة والعالم ومدى اتساقها مع المصالح الأميركية وخاصة بعد الاتفاق النووي الإيراني، ولكنها ستشمل اتفاقات اقتصادية إستراتيجية تتعلق بقطاع النفط والطاقة لا تقل أهمية عن مثيلاتها بين روزفلت وعبد العزيز، خاصة مع نمو قطاع النفط الصخري الأميركي وإجراءات السعودية الوقائية ضده, فيضيف هندرسون قائلاً:"على الرغم من التصريح العلني للدعم المشروط للاتفاق النووي الإيراني، لا تزال الرياض قلقة للغاية، معتبرة أن تخفيف العقوبات سيتم استخدامه لتمويل المشاكل التي تثيرها إيران في المنطقة. وتَعتبر المملكة أن دفاع إدارة أوباما على الاتفاق هي [رؤية] ساذجة، وبالتالي تنظر اليه بتشكك شديد(..)من المتوقع أيضاً أن يشمل الوفد المرافق له كبار الشخصيات المالية والاقتصادية. وكون الأمير محمد بن سلمان رئيساً ل "مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية" – الهيئة الأساسية لصنع القرار في المملكة التي أنشئت حديثاً – فإنه شخصية رئيسية من هذا الجانب من الزيارة أيضاً. وفي حين لا تزال العلاقة الثنائية قوية على مستوى الأعمال التجارية، إلا أن هناك قلقاً بشأن الكيفية التي تتأثر بها المملكة من جراء سعر النفط المنخفض، الذي يعود جزئياً إلى الارتفاع المستمر في الإنتاج السعودي – وهي إستراتيجية تهدف إلى الحفاظ على حصة البلاد في السوق وإرغام الشركات الأمريكية التي تنتج النفط الصخري على التوقف عن الإنتاج، وبالفعل يتم تأجيل مشاريع البناء الطموحة التي بدأت في عهد الملك عبد الله كما يتم خفض الميزانيات، بما فيها النفقات الدفاعية، حيث تنجح سياسة الإنتاج العالية في رفع الأسعار حتى الآن، ولكن ليس هناك ما يدل على تغيير ذلك، وفي الواقع، يبدو أن السعوديين على استعداد لجعل الأسعار تهبط أكثر وأكثر". الخلاصة أن الزيارة الأخيرة للملك سلمان على الرغم من ظروفه الصحية لا ترتبط أهميتها بكونها جمعت بينه وبين أوباما وأنهت التباينات بين الرياضوواشنطن فقط في مختلف الملفات، ولكن تأتي كخطوة تأسيسية للعلاقة بين البلدين بعد 4 أعوام سادت فيهم القلاقل السياسية والتغيرات العاصفة في المنطقة، وعليه فأن ذلك يشي كدلالة أولية أن كل من صانعي القرار في السعودية والرياض يرون هذا التأسيس الجديد على مدى زمني غير مرتبط بعمر الإدارة الحالية أو القادمة أو حتى الملك الحالي أو القادم، بل أنه تأسيس يشابه مثيله الذي تم قبل 70 عام بين الملك المؤسس والأميركيين، وهذا يعطى إشارة إلى أن أي تغيرات مستقبلية في سياسيات واشنطن في المنطقة ستكون في إطار الخطوط العريضة لعلاقتها الإستراتيجية بحلفائها في المنطقة وعلى رأسهم القاطرة السياسية التي تقود تنفيذ السياسيات الأميركية في المنطقة على مدى العقود الماضية، المملكة السعودية. موضوعات متعلقة: