استفتاء 19 مارس – الرئيس محمد مرسي – ثورة 30 يونيو – الدستور .. أعتقد أن المسألة لا تتطلب ذكاءً واسعا لأعرف انتمائك سواء كنت إخوانيا أو سيساويا أو سلفيا أو .. من ردة فعلك على هذه الأحداث, فحول تلك التعبيرات التي تمتد لما يقرب من خمس سنوات أكثر من مئتي عام من الصراعات المستمرة, بدأت عندما وطأت قدم ذلك الضابط الإنجليزي شاطئ الإسكندرية ممثلا للأسطول البريطاني طالبا السماح لنلسون بالدفاع عن الإسكندرية ضد الأسطول الفرنسي المنتظر وصوله, فرفض الحاكم بقاء الانجليز، ليس لأن لمصر حرمة وجيش لا يقهر, بل لأن هذه البلاد هي بلاد السلطان (الخليفة) وغير مسموح للإنجليز أو الفرنسيين بالبقاء فيها, لا شك أن الرجل لم يكن ليفهم معنى القوة المادية التي أعدها نابليون لمواجهة من يقاومه, ليهزم حتما في مواجهة تلك الأدوات العصرية التي لا إيمان لها ولا دين، غير تلك الحياة التي اعتادوها. وبعد ثورة القاهرة الأولى ضد نابليون التي ذاق فيها المصريون طعم آلة الحرب الحديثة, فهم البعض أن المقاومة بهذا الشكل لن تجدي، فعاد الشيخ حسن العطار من مهربه بالصعيد ليختلط بعلماء الحملة الفرنسية، وتذهله تلك المعدات الحديثة التي تنفخ البخار، ويعلم أن الأمر ليس سحرا بل علما, وأن مصر قد فاتها الكثير, وأن عليها أن تكتسب من العلم ما فاتها. انقسام طويل شهدته مصر بين دعاة التمسك بالقديم والمنادين بالجديد ومناهجه وسلوكياته. لقد حكم مصر خلال المئتي عام الفائتة من تطلع لأن يقتبس من الغرب, فعرفت مصر محمد على والخديو إسماعيل وعبد الناصر, أدركوا أن صلاح مصر وتقدمها لن ينبع مما هو متاح من القديم, بل لا مناص من التعاون الحثيث مع القوى الغربية المتصارعة على مصر، لتحقيق هذا الهدف, فاستغل كل من محمد علي وإسماعيل الصراع البريطاني الفرنسي, ولعب ناصر على وتر الصراع الأمريكي السوفيتي, لكن يبدو أن كافة الرهانات على الغرب باءت بالفشل, فسرعان ما تتفق أجنحة الغرب المتصارعة ضدنا في المحكات التاريخية الحاسمة. لكن الغريب وعلى الرغم من السعي لاستيراد أفكار الغرب التي من المفترض أنها تقود للديمقراطية وحقوق الإنسان, إلا أن أيا من هؤلاء لم يعط الشعب فرصة الاختيار ولم يسأل أحدهم الناس أتريدون القديم أم الجديد؟, بل استخدموا جميعا العصا الغليظة في فرض الحديث، والغريب أن هذا تكرر في معظم تجارب المشابهى بالعالم, فاستخدمه أباطرة اليابان في القرن التاسع عشر ضد القوى القديمة, وفرض ماك أرثر دستوره على اليابان المهزومة ورسم نظامه مستبعدا قسرا كل ما يهدد منطقه عن الحياة اليابانية, وكذلك حدث بألمانيا فاستُبعد النازيين من الحياة بأسرها, نفس الشيء مع تجربة مصطفى كمال أتاتورك في تركيا, فلا خيار لشعب في التقدم والتخلف, فالحكومات والأنظمة وجدت لتحدث حياة الناس وتقودهم للتحضر.