في 1963، حصل على وسام الجمهورية، واعترف به ككاتب من أهم كتّاب عصره، إلا أن النجاح والتقدير أو الاعتراف لم يخلّصه من انشغاله بالقضايا السياسية، وظل مثابرًا على التعبير عن رأيه بصراحة، وفي 1972، اختفى من الساحة العامة، على أثر تعليقات له علنية ضد الوضع السياسي في عصر السادات، ولم يعد للظهور إلا بعد حرب أكتوبر 1973، عندما أصبح من كبار كتّاب جريدة الأهرام. يوسف إدريس، الذي تمر اليوم ذكرى وفاته، كاتب قصصي، مسرحي، وروائي مصري، ولد سنة 1927 في البيروم التابعة لمركز فاقوس، وتوفي عام 1991، عن عمر يناهز 64 عام، وحاز على بكالوريوس الطب عام 1947، وفي 1951 تخصص في الطب النفسي. كان والده متخصصًا في استصلاح الأراضي، لذا تأثر بكثرة تنقل والده، وعاش بعيدًا عن المدينة، وأرسل ابنه الكبير يوسف ليعيش مع جدته في القرية. لما كانت الكيمياء والعلوم تجتذب يوسف فقد أراد أن يكون طبيبًا، وفي سنوات دراسته بكلية الطب، اشترك في مظاهرات كثيرة ضد المستعمرين البريطانيين ونظام الملك فاروق، وفي 1951 صار السكرتير التنفيذي للجنة الدفاع عند الطلبة، ثم سكرتيرًا للجنة الطلبة، وبهذه الصفة نشر مجلات ثورية وسجن وأبعد عن الدراسة عدة أشهر. وكان أثناء دراسته للطب قد حاول كتابة قصته القصيرة الأولى، التي لاقت شهرة كبيرة بين زملائه. عمل كطبيب بالقصر العيني 1951-1960؛ حاول ممارسة الطب النفساني سنة 1956، مفتش صحة، ثم صحفي محرر بالجمهورية، 1960، كاتب بجريدة الأهرام، 1973 حتى عام 1982. وسافر عدة مرات إلى دول العالم العربي، وزار فرنسا، إنجلترا، أمريكا واليابان وتايلندا وسنغافورة وبلاد جنوب شرق آسيا، وكان عضوًا في نادي القصة وجمعية الأدباء واتحاد الكتاب ونادي القلم الدولي. في سنوات الدراسة الجامعية، وهو يحاول نشر كتاباته، وبدأت قصصه القصيرة تظهر في المصري وروزاليوسف، وفي 1954 ظهرت مجموعته أرخص الليالي. وفي 1961 انضم إلى المناضلين الجزائريين في الجبال، وحارب معارك استقلالهم ستة أشهر، وأصيب بجرح وأهداه الجزائريون وسامًا إعرابًا عن تقديرهم لجهوده في سبيلهم وعاد إلى مصر، وقد صار صحفياً معترفاً به حيث نشر روايات قصصية، وقصصاً قصيرة، ومسرحيات. قال عنه إدوارد الخراط: «كان وسيظل علامة فارقة فى تاريخ تطور القصة القصيرة فى مصر والعالم العربى، وموهبته اسميها موهبة وحشية أى وحشية فطرية يصعب تصنيفها، نذكر له دائما شجاعته وغلوه أحيانا فى الجرأة والمغامرة، أما مقالاته فتمتاز بحرارتها والتصاقها بالواقع، وقد عرفت يوسف إدريس منذ عام 1955، وكنت أنا والفريد فرج ويوسف جيرانا فى بناية واحدة بشارع المبتديان وعرفت فيه الحكاء الراوية». أما خيرى شلبى فيقول: «هو مبتكر القصة العربية ووضع المصطبة المصرية فى الصدارة، حين تقرأ قصصه دون أن ترى اسمه عليها تدرك أن كاتبها مصرى، اكتشف إدريس لهجة الحكى التى نستمتع بها فى القرى والمقاهى والأفراح وهى لهجة العامة حولها إلى فن راق غير مسبوق ولذلك فأن مجموعته أرخص ليالى، تعتبر من أهم كتب القصة المصرية أكثر من عودة الروح ويوميات نائب فى الأرياف وزينب وكل القصص التى تحدثت عن الحياة المصرية العامة». ويضيف: «كان يوسف إنسانا كبيرا بقدر ما هو فنان كبير، كان من أشد الناس اهتماما بالشباب، وكان كتلة من المشاعر الحية والروح الملتهبة ولم يكن يبرد لحظة واحدة، وكان غيورا على مصر وعلى الأدب العربى لكنه كان يصطدم بحقيقة المجتمع المتخلف الذى يعيش فيه فتتحول ناره إلى ألسنة تأكل فيه هو وظلت تأكل فى لحمه حتى أجهزت عليه». وقال عبد الرحمن الأبنودي عنه: «يوسف حالة نادرة فى حياتنا الأدبية والعامة معا، استحق ريادته لفن القصة القصيرة بجدارة، كان شخصية مقلقة شجاعة تكره النوم العربى وتسعى لإفزاع المواطن من واقعه البشع الذى تعود عليه وانس له، وتعتبر مسرحيته الفرافير، انعكاسا لوعيه وارتباطه الشديدين بعالم الإنسان البسيط».