في الوقت الذي تتسابق فيه الوفود الاقتصادية الأوروبية إلى إيران سعيًا لاقتناص الفرص الثمينة من استثمارات وتبادلات تجارية مع اقتصاد غني، يأتي دور فرنسا لتُعيد إحياء العلاقات الفرنسية الإيرانية من جديد، حيث تعتبر زيارة وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس" إلى طهران هي أول زيارة من نوعها منذ 12 عامًا. بعد مرور 12 عام على أخر زيارة لوزير الخارجية الفرنسي "دومينيك دو فيليبان" في أكتوبر عام 2003، والتي تم فيها توقيع أول اتفاقية نووية مع إيران عُرفت بإعلان "سعد آباد"، وصل وزير الخارجية الفرنسى "لوران فابيوس" صباح الأربعاء الماضي إلى طهران، لإعادة إطلاق العلاقات الثنائية بعد الاتفاق النووى المبرم فى 14 يوليو بين إيران والقوى العظمى، وسط تأكيد فرنسي على أهمية العلاقات مع إيران. التقى "فابيوس" خلال الزيارة نظيره الإيرانى "محمد جواد ظريف"، والرئيس "حسن روحانى"، ووزير النفط "بيجان نمدار زنقنة"، والصناعة والمناجم والتجارة "محمد رضا نعمت زاده"، ونائبة الرئيس المسئولة عن البيئة "معصومة ابتكار". قال "فابيوس" قبل أن يبدأ مفاوضات مع مسئولين إيرانيين، "هذه زيارة مهمة، نحن دولتان كبيرتان مستقلتان، حضارتان كبيرتان، صحيح أن العلاقات قد توترت فى السنوات الأخيرة ولأسباب معروفة، لكن الأمور الآن ستتغير بفضل الاتفاق النووي"، وأضاف "فابيوس"، "هذه الزيارة مناسبة لإيرانوفرنسا لإعادة إطلاق علاقاتهما في مجموعة من المجالات، خصوصا في المجال الاقتصادي، لأن ثمة أمورًا كثيرة سنقوم بها سويًا"، لكن "فابيوس" أشار في الوقت نفسه إلى أن "ثمة بعض النقاط التى نختلف فى شأنها فى مجال السياسة الخارجية، وخصوصًا حول المسائل الإقليمية"، ملمحًا بذلك إلى الوضع فى سوريا واليمن وموقف إيران من إسرائيل، وحمل وزير الخارجية الفرنسي "فابيوس" رسالة من الرئيس الفرنسي "فرنسوا هولاند" إلى الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، حيث وجه "هولاند" الدعوة ل"روحاني" لزيارة فرنسا فى نوفمبر القادم. وفي الشأن الاقتصادي رأى "فابيوس"، "أن المنافسة على الأسواق الإيرانية ستكون شرسة، لكن للشركات الفرنسية نقاط قوة تحسب لها لا سيما في قطاع السيارات والنقل الجوي وقطاع الطاقة والصحة والزراعة"، مضيفاً أن "هناك احتياجات إيرانية كبيرة وفي الوقت نفسه هناك أداء تتميز به فرنسا معترف به في إيران". من جانبه أكد الرئيس الايراني "حسن روحاني" خلال استقباله "فابيوس"، أن المنطقةَ برمتها ستستفيد من الاتفاق بين إيران والدول الست، وأوضح أن اتفاقَ فيينا خطوةٌ مهمة لتحويل التهديدات إلى فرص، مؤكدًا استعداد إيران للتشاور والمساهمة مع الدول الأخرى من أجل إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة. داخل الغرف المغلقة والاجتماعات السرية جاء الحديث عن استثمارات بمليارات الدولارات تسعى باريس إلى إعادة إحيائها، عبر إقناع الإيرانيين بإعادة العلاقات إلى سابق عهدها و"العفو عما سلف"، وهو ما عبّر عنه "فابيوس" بالإشارة إلى فتح صفحة جديدة بعد الاتفاق النووي، وانطلاقًا من هنا كانت اتفاقيات على محرّكات سيارات "بيجو"، و"رينو"، ومحركات طائرات "ميراج"، و"إيرباص"، وعشرات العقود الصناعية التي ستجعل فرنسا من أهم الشركاء التجاريين لإيران. من جانب آخر أعلنت فرنسا أن وفدًا اقتصاديًا مهمًا جدًا من مختلف الشركات الفرنسية سيقوم بزيارة إلى طهران خلال شهر سبتمبر القادم، وقال وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس"، إن الوفد الفرنسي سيضم مندوبين من مختلف الشركات الفرنسية. تأتي زيارة "فابيوس" لطهران في إطار جس النبض و"التليين" في العلاقات بعد أن تدهورت بشكل ملفت الفترة الأخيرة، وهو ما جعل الزيارة تأخذ طابعًا بروتوكوليًا، وهو ما أكد عليه الرئيس الفرنسي "هولاند" قبل زيارة "فابيوس"، حيث قال إن الزيارة ستكون اختبارًا لطهران بعد توقيع الاتفاق التاريخي، وأضاف أن "فابيوس يمثل فرنسا، والطريقة التي سيتم استقباله بها ستكون بالنسبة لنا تقييمًا لتصرف إيران"، وهو ما يدل على تخوف واضح أبداه الرئيس الفرنسي بعد الهجمات التي تعرض لها "فابيوس" أخيرًا من قبل المحافظين الإيرانيين، بسبب مواقفه المتشددة خلال المفاوضات النووية. كانت برلين قد سبقت باريس إلى طهران، بعد أن أرسلت وزير اقتصادها "سيغمار غابرييل"، في وقت سابق من الشهر الجاري إلى إيران على رأس وفد تجاري من ممثلي الشركات الألمانية الراغبة في العودة إلى السوق الإيرانية ولا سيما قطاع الطاقة، وتوصلت ألمانياوإيران إلى خطوات مبدئية لإعادة العلاقات التجارية بينهما، ومن المقرر أن تعقد اللجنة الاقتصادية الألمانية الإيرانية أوائل العام القادم في طهران بعد فترة طويلة من عدم النشاط، كما سبقت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي "فيديريكا موغيريني" فرنسا أيضًا، في إطار ما يمكن وصفه ب "التسابق الغربي" نحو هذا البلد الذي يشكل رابع أكبر مخزون للنفط في العالم، وثاني أكبر مخزون من الغاز، وهو ما يجعل اقتصادها جذابًا لشركات الطاقة العالمية.