تطورات جديدة تشهدها الأزمة السورية في الفترة الأخيرة، ربما تشعل الأوضاع الإقليمية مرة أخرى على حساب الهدوء النسبي الذي لم يخرج الملف السوري في العامين الماضين عن ساحته الداخلية، لاسيما بعد الاتفاق الذي تم برعاية روسية أمريكية لنزع السلاح الكيميائي السوري، فبين زعم تركيا دخولها على خط المواجهة المباشرة مع تنظيم داعش، والتحرك العسكري التركي جواً وبراً على حدود سوريا، والتنسيق السريع مع واشنطن، وظهور التنظيم المتطرف كمحرك في الاضطرابات الداخلية التركية على واقع التفجير الأخير، أصبحت هذه المنطقة على صفيح ساخن، الأمر الذي يثير عدة تساؤلات حول الخيارات الجديدة المحتملة أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هل يُعيد حساباته تجاه سوريا؟ وهل يقبل الانخراط في الاقتراح الروسي بتشكيل تحالف إقليمي لمحاربة داعش؟، أم ستفرض واقعية السياسة التركية التي تتبعها من قبل بالدخول في مواجهة مع النظام السوري؟ وما تأثير كل ذلك على الوضع الداخلي في تركيا؟. وفي تحرك جديد، شنت الطائرات الحربية التركية غارات جوية على مواقع تابعة لتنظيم داعش داخل الأراضي السورية متزامنة مع شن غارات على حزب العمال الكردستاني في العراق، فيما كشفت صحيفة حرييت، تفاصيل صفقة سماح أنقرةلواشنطن باستخدام القواعد الجوية التركية، والتي تتضمن إقامة منطقة "حظر طيران" من 90 كيلومتراً بين مدينتي مارع وجرابلس السوريتين، و"منطقة آمنة" على الأرض يمكن أن تمتد حتى 50 كيلومتراً في عمق سوريا. ثمة تحليلات تتحدث عن أن إقامة منطقة عازلة من جرابلس إلى عفرين لمواجهة الأكراد وداعش، وتشديد الضغط على النظام في سوريا تمثل محاولة من نظام أردوغان لاستغلال ما يجري عند الحدود السورية التركية في الحملة للانتخابات النيابية المبكرة، لكي يقدّم نفسه على أنه الرجل الذي أفشل خطة إنشاء شريط كردي على امتداد الحدود، وحمى الأمن القومي التركي، إلا أن التقارير أشارت أيضًا إلى أن المنطقة العازلة التي تُخطّط تركيا لإقامتها ستمتد من مدينة عين العرب (كوباني) التي يسيطر عليها الأكراد، إلى منطقة ماري وستؤمن بقوات برية وقذائف وغطاء جوي، ومن الجهة الأردنية تمتدّ عبر المحافظات السورية الجنوبية درعا والسويداء. ووفقاً للسفير الأمريكي السابق لدى سوريا روبرت فورد فإن أنقرة "جادة" في طرح قضية المنطقة العازلة بسبب خوفها من تهديد الأكراد الذين حقّقوا انتصارات عديدة على داعش في سوريا، بينما الأردن "غير جادة" في هذه الأمر، مشيراً إلى أنه "من المحتمل أن تكون هذه طريقة عمان في طلب مساعدة الولاياتالمتحدة". تحليلات أخرى تتساءل عن مغزى التحول التركي تجاه داعش، هل من الممكن أن يكون تدخل تركيا نابعا من اقتناعها بالقضاء على داعش، حيث تجدد مؤخرا الحديث عن مقاربات جديدة للأزمة السورية قبل فترة خروج الرئيس فلاديمير بوتين، ليدعو بشكل واضح وصريح، إلى تحالف بين الأعداء المتحاربين، بين السعودية وتركياوسورياوالأردن ضد الإرهاب ولا سيما داعش. بعض المحللين لفتوا إلى أن الرئيس الروسي لا يمكن أن يلجأ إلى هذا الطرح ويدعو وزير خارجية سوريا وليد المعلم، إلى موسكو لمناقشته إلا بعد تلقيه إشارات جدية من الدول الثلاث المذكورة حول إمكانية قيام هكذا تحالف، الذي يمكن له أن يجمع الخصوم والأعداء تحت مظلة واحدة، والتعاون في مواجهة الخطر الأكبر أي داعش الذي يهددها جميعاً. من جانبه أكد الرئيس التركي أردوغان، أن الضربات العسكرية ضد تنظيم داعش شمالي سوريا خطوة أولى لحماية أمن البلاد، مبينا أن التنظيم يمثل تهديدا لتركيا والمنطقة، وصرح أردوغان أنه بعد اجتماع مع الحكومة اتخذت قرارات عدة وتدابير من أجل الحفاظِ على الجمهورية التركية أرضا وشعبا. من جانبه، نعى حزب العمال الهدنة مع تركيا مؤكدًا أنه لم يعد لها معنى بعد الهجمات، وجاء في التفاصيل "لم يعد للهدنة أي معنى بعد هذه الضربات الجوية المكثفة للجيش التركي المحتل"، وكانت المقاتلات التركية شنت غارات على مقار تابعة لحزب العمال الكردستاني دهوك وأربيل شمال العراق، وعلى أهداف لداعش في سوريا، هذه الغارات ترافقت مع قصف من المدفعية التركية على المناطق الحدودية بين تركياوالعراق، يأتي ذلك بعد تأكيد كل من تركياوالولاياتالمتحدة أن تحالف واشنطن بات بإمكانه استخدام قاعدة انجرليك الجوية التركية، كما أعلنا زيادة تعاونهما الاستخباراتي والعسكري. بعد هذه التطورات ظهرت تخوفات كثيرة في الداخل التركي، وفي الوقت الذي تشتعل فيه الأحداث يتهيأ زعيم حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو، لتشكيل الحكومة، والبدء بالجولة الثانية من المحادثات مع باقي الفرقاء السياسيين، في الوقت نفسه حملت المعارضة أردوغان المسؤولية كاملة جراء التفجيرات التي حدثت في تركيا مؤخرًا، حيث دعا حزب الشعب الجمهوري، حزب العدالة والتنمية، إلى وضع حد نهائي للتدخل في سوريا، ووقف كل أنواع الدعم للتنظيمات الإرهابية، وتغيير السياسة الخارجية التركية التي أثرت على الوضع الداخلي.