تحاصرها الآلام لكنها لا تشكى، كونها اعتادت عليها منذ نعومة أظافرها، تخفي دمعتها عند الحديث عن ظروفها ومشكلاتها في الحياة، لكن ذلك لم يثنيها عن تحقيق غايتها وتربية أبنائها، صانت عهد زوجها، رغم أنه تجاهل الكثير من احتياجاتها، ورغم ذلك لا تفارق ابتسامة الرضا وجهها. على إحدى نواصي شوارع بولاق الدكرور الضيقة، تجلس بائعة الجرجير كعادتها يوميًّا منذ السابعة صباحًا حتى وقت متأخر من الليل، منذ أن بلغت الثامنة عشرة من عمرها وهي تعمل بتلك التجارة، وعدت أنواع من الخضروات لا يتجاوز عددها الخمسة، فبعد أن توفى زوجها بعد الزواج بأربعة أعوام، وأنجبت منه ولدًا وبنتين، وهي تواصل مسيرتها في الحياة لتربية أولاها كغيرها من الأمهات المصريات. تساعدها ابنتها صاحبة ال17 عامًا من عمرها، من المشاركة في إحضار الخضروات من التجار، وحتى بيعها إلى الزبائن، ومنذ وقت قريب قررت أم هاني التوسع في تجارتها؛ لأن تكاليف الحياة في ارتفاع وتجارة الخضروات أصبحت لا تكفى لسد احتياجاتهم، كما تقول. راحت تبكى بلا صوت، عند الحديث عن زوجها، فمنذ أن تزوجت وهي في الثامنة عشرة من عمرها، بدا لها قبح الزوج، الذي لم يعمل إلَّا لنفسه وتركها داخل دوامة تربية الأبناء، والاهتمام بمشكلاتهم في أول مراحلهم العمرية، لكن أم هاني كما تحب أن يطلق عليها الناس لم تستسلم لمشكلات الحياة وصعوبتها وأصرت على أن تستثمر في أبنها عله يعوضها عنما تلاقيه. أم هاني التي تخطت الأربعين من عمرها، تقول: "منذ أن توفي زوجي وأنا شغالة في بيع الخضار، وقبلها اشتغلت في حاجات تانية، بس هي دي التجارة اللي لاقيت فيها راحتى"، وتابعت: "الخير بيكون مواسم يعني في رمضان ببيع أكتر وسوق الخضار بيشتغل كويس، والإقبال على الشراء بيخليني اشترى كمية أكبر، لكن بردوا اللي بييجي على قد اللي رايح، يعني احنا عايشين حياتنا باليومية وربنا مش بينيم حد من غير عشا". وتابعت: "بحاول على قد ما اقدر مخليش ولادي ناقصهم حاجة، خاصة في المناسبات زي الأعياد ودخول المدارس"، وتابعت: "مش عايزة أشيلهم الهم من صغرهم زي ما انا شيلته وانا في سنهم".