بطلها كان طفلًا من المهجرين قسرًا، لإنشاء سد ملعون حل على قريته والقرى المجاورة، من أجل مصلحة الوطن أو المصلحة العليا، تم رمي تلة من مواطني الدرجة الثانية في فجوج بين الجبال، ومن هنا بدأت حياته وحكايته مع الوطن، هذا الوطن الذي شكل رفقة المرأة الأم والحبيبة، خليط حياة يعيش ومن أجله يحيا. صدر عن دار كيان للنشر والتوزيع، طبعتها لرواية «نوستالجيا الحب والدمار»، الرواية الثانية للكاتب المغربي السعيد الخيز، المرشحة لجائزة الرواية العالمية "البوكر" 2016، والتي تتناول في مضمونها مواضيع شتى من أهمها: "الوطن، الهجرة، الطفولة الضائعة". ومن أجواء الرواية: «للصمت تاريخ بحجم كل ما قيل من كلام، فيه يحدث كل شيء، فيه نحيا، نحدث أنفسنا، نرتب دواخلنا، نبني الحدث القادم، في الصمت أيضًا نموت، ندفن آلامنا وشكوكنا. في الصمت مهلة لترتيب الحب داخلنا، لتفعيل قوى السكون والهدوء، يجب أن ننصت لما تحكيه الريح على عتبات الخريف، وما تحكيه النوارس للفنار، هناك في عمق السكوت الطويل رداء ضد الثرثرة العابثة والفراغ، كل الأشياء تحكي في صمت رسوبيّ قديم، الشبابيك الحديدية الملتوية وخشب العرعار وعتبة البيت وقشور طلاء ماء الجير وتلك الرسومات الزرقاء في سقف الغرفة، اليد النحاسية على الباب الكبير، كم لها من قصص ووجوه. الكتب المُجلّدة تحكي، التلفاز الرمادي، المذياع الخشبي، صمت ثقيل يحكي التاريخ بعيدًا عن الضجيج بعيدًا عن الحكي نفسه وكل مداراته، الردهات المظلمة ليل نهار، المواعيد خلف الدار. موسيقى أعراب أتيكي الشعبية، اللوز والجوز وزهر الليمون، رؤى حلم صامت حد الكلام.. تكلم يا صمت تكلم». لنبحر في أجواء الرواية المنافسة على البوكر: أدري وأنا أخرج أن هذا الخراب سيعلق بذاكرتي إلى الأبد وأنه سيحرمني النوم ليالٍ طوال، الدموع جفت في مقلتيّ ولن تخرج، جمدت صمدت سيّان، ستبقى صامدة، جامدة، ذلك أني أعشق البيت العتيق، ترابه، حجارته وسقفه الخشبي، هذا المشهد جزء من ذاتي، تشكله الجدران ذات الألوان الترابية، الأبيض والبني والأحمر الآجوري، الأبواب الخشبية المهترئة، والشبابيك الحديدية ذات الزخارف الملتوية النابعة من أعماق الماضي، هي لا تدري أن التواءها يسبب لي التهابًا نفسيًا حادًا هذه اللحظات. أحيانًا أشم رائحة الطين المرشوش بالماء، وأسمع خرير الهرة المرقّطة، وأسمع صوت جدي الذي ينادي، أسمع كل هذه الذكريات، تداعبني تقبلني ولكنها لا تمر دون أن تجرحني. ألا يكفي أني أحتفظ بتفاصيل هذا البيت العتيق في ذهني، وفاء له؟ أي نوع من الوفاء هذا؟ لم التعلق بالتراب والحديد والخشب القديم؟ آه من رائحة أبواب العرعار المنقوشة ببساطة الماضي! آه من خراب اللحظات الأخيرة! لم يكن زلزالاً، كان أقبح من ذلك بكثير، لم يعد مهمًا ما حدث بالضبط، المهم طريقة احتفاظ الذاكرة به. لم يكن شيئًا مهينًا، كان أسوء من ذلك بكثير، لم يكن هناك وقت للإحساس بالإهانة، هناك فقط عذاب، عذاب ودموع متحجرة داخل المُقل. كان الناس يحتجون والجدات تولولن، والرجال يركضون إنقاذًا لما يمكن إنقاذه، إنقاذًا لكل شيء تجري فيه روح. وكان لي الصمت، كاميرا خرساء تسجل في صمت هول اللحظات الأخيرة، كاميرا تسجل قدرًا مخجلاً، ثابتة، تحاول استبطاء الكون ولو للحظات قصيرة. لكنها ليست لحظات قصيرة إنها اللحظات الأخيرة. السقف الذي راقبته منذ ولادتي، بخشبه الثقيل، البني الحنون، الجدران بألوانها الترابية الطبيعية والنوافذ الحديدية، حين تفقد هذه الأشياء تشكيلتها الطبيعية تصبح مأساة حقيقية.. لم تعد النافذة وسط الجدار والسقف لا يغطي الغرفة وأعمدته لم تعد متوازية بل مبعثرة بعشوائية الجنون. الجدران لها عنوان التحدي، صمود حجارة الأساس عنون اللحظات باسم التحدي، خجلت ألا تتحمل ثقل اللحظات؛ هي التي حملت البيت قرونًا وقرونًا. تعانقت مكونات البيت العتيق مكونة كومة من الذكريات والآلام، ما آلمني أكثر الزرقة النيلية لغرفة الضيوف، تلك اللطخات من الأزرق التي طبعت كومة الخراب لتنهي لوحة الدمار. - هل كنت حاضرًا؟ - يا ليتني لم أكن حاضرًا؛ لما أثقلت الذاكرة بالخراب والدمار. يا ليتني كنت غائبًا، ويا ليتني لم أكن، يا ليتني ولدت في زمن آخر لا يحمل طعم الفجيعة. حزن مراق على الأرصفة، يسحبه المطر في نواح إلى مجاري الأرق، قطع من اليأس تتجمع على حديد المداخل، وأنا أحترق، أخاديد جرح يتمزق، يصنع من الاحتمالات تسعين ألف وجه للقلق، يا دودة الخشب كفّي، كفّي عن النخر في العمق فما عاد القلب من جنس النطف. هو محجرة البرد محضن الصقيع. نتف من ريح الحرب تدق طبول الخوف. جميع الأشياء في هذا الكون الفسيح، حين تتزحزح عن حيّزها الفضائي تسبب الفوضى والقلق.