أثارت ظاهرة نفوق أسماك الأقفاص بفرع رشيد البلبلة والتخوف لدى المربين؛ لكونها مصدر تهديد لاستمرار أعمالهم؛ وذلك لعدم وضوح الأسباب الحقيقة وراء تلك الظاهرة التي تتكرر كل عام في نفس التوقيت، في ظل تضارب آراء وتصريحات الجهات المختلفة المعنية بالأمر، فكل جهة تتكهن بالأسباب دون أن تتقصى الحقيقة أو تحاول علاج الظاهرة دون إزالة الأقفاص وتشريد العديد من الأسر التي تعتمد في دخلها على تلك المهنة. يقول الدكتور هيثم ممدوح رئيس قسم هندسة الري والهيدروليكا بهندسة الإسكندرية إن قناطر إدفينا الموجودة على الكيلو"211″ فرع رشيد تفصل بين المياه العذبة في فرع رشيد والمياه المالحة خلفها والمتصلة بالبحر الأبيض المتوسط. وتقع هذه القناطر على مسافة 30 كم من البحر الأبيض المتوسط، وخلال السنوات العشر الأخيرة قام العديد من سكان رشيد باستغلال هذه المسافة في وضع أقفاص سمكية لاستزراع الأسماك بطريقة مكثفة، مشيرًا إلى أن تصرف فرع رشيد السنوى في حدود 3 مليارات متر مكعب من المياه، وهذه القيمة هي ثلث تصرف فرع دمياط؛ لأنه لا توجد رياحات أو ترع رئيسية كبرى على فرع رشيد باستثناء ترعة المحمودية التى تغذى مدينة الإسكندرية، بينما على فرع دمياط يوجد الرياح العباسى وترعة السلام وترعة المنصورية، وأكثر من 90% من المياه المارة فى فرع رشيد تستخدم لتغذية ترعة المحمودية التى تقع على مسافة 15 كم أمام قناطر إدفينا، ويبلغ أقصى منسوب مسموح به أمام قناطر إدفينا 2.90 متر، وإذا زادت المياه عن هذا المنسوب، يتم إمرار المياه الزائدة من خلال بوابات القناطر إلى البحر، وهذا لا يحدث إلا في بعض الحالات النادرة، كهطول الأمطار خلال فصل الشتاء بغزارة على محافظة البحيرة؛ مما يقل معه استخدام مياه الرى، وامتلاء بحيرة السد العالى وظهور الحاجة إلى التخلص من المياه الزائدة، مثل الأعوام من 1999 إلى 2002، وأخيرًا خلال موسم أقصى احتياجات عند إمرار تصرفات زائدة من قناطر الدلتا فرع رشيدوانخفاض كميات رفع المياه لترعة المحمودية، وهذا يحدث خلال العطلات الرسمية والأعياد، حيث تنخفض استخدامات المياه مقارنة بالأيام العادية. وأوضح "ممدوح" أن الحالة الأخيرة هي ما حدثت خلال الأيام الماضية، وتؤدى الكميات البسيطة من المياه المارة في هذه الحالة (والتى لا تتخطى مليون متر مكعب من المياه يوميًّا) إلى تحريك الرواسب في قاع نهر النيل خلف قناطر الدلتا وانتشار هذه الرواسب العالقة خلال مياه الأقفاص السمكية؛ مما يؤدى إلى اختناق الأسماك داخل الأقفاص السمكية، موضحًا أن "هذا يحدث للأسماك الكبيرة وليست الصغيرة؛ حيث إنه من المعروف أن مقاومة الأسماك الكبيرة أضعف بكثير من الصغيرة في مثل هذه الحالات. وخلال هذا الوقت من العام يحتوى كل متر مكعب من المياه داخل الأقفاص السمكية على 20 كجم من الأسماك في المتوسط". وأكد رئيس قسم هندسة الري أن وجود مصب مصرف الرهاوى على مسافة أكثر من 200 كم من موقع الأقفاص ليس له تأثير يذكر، حيث إن المياه تنقى ذاتيًّا خلال هذه المسافة، بالإضافة إلى مطابقة معايير الصرف لمصرف الرهاوى، والأهم وجود قناطر إدفينا، لافتًا إلى أن انخفاض نسبة الأكسجين وارتفاع الأمونيا لا يحدث بين يوم وليلة خلال هذا المسطح المائى الضخم خلف قناطر إدفينا. وأكد أن حل هذه المشكلة المتكررة في السنوات الخمس الأخيرة يكمن فى إدارة توزيع المياه من فم فرع رشيد، بالإضافة إلى ضرورة عمل بدائل لتصريف المياه الزائدة خلال الحالات الثلاث السابق الإشارة إليها. فيما أعلنت وزارة الموارد المائية والرى متمثلة في قطاع تطوير وحماية نهر النيل أنه سيتم التنسيق مع محافظتي كفر الشيخوالبحيرة لإزالة كافة الأقفاص السمكية والبالغ عددها 10 آلاف قفص، وذلك بعد كارثة نفوق الأسماك فى فرع رشيد. وقال المهندس أحمد فتحي رئيس قطاع تطوير وحماية نهر النيل إنه تم التخلص من كافة الأسماك النافقة بفرع رشيد قبل تسربها إلى الأسواق، مؤكدًا أنه لا توجد أية أسماك نافقة وسط مياه النيل، وأنها وقعت فى اتجاه البحر، وهذه المنطقة بعيدة تمامًا عن أية محطات لمياه الشرب أو الزراعة، مشيرا إلى أن هناك تنسيقًا مع وزارة الصحة لأخذ عينات للتأكد من سلامة المياه. وأوضح "فتحي" أن كمية الأسماك الكبيرة المتواجدة داخل الأقفاص السمكية هي من تسببت في وقوع تلك الكارثة وانتشار الأسماك النافقة وليست سرعة المياه، بجانب أن تلك الأقفاص تعد مصدرًا للتلوث وإعاقة المياه والمجرى النهري ولتجمع الحشائش وورد النيل، مشيرًا إلى أن التقرير المبدئى عن نفوق الأسماك يرجع نفوق عشرات الأطنان من الأسماك الموجودة فى "الأقفاص السمكية" لارتفاع نسبة الأمونيا والقلويات عن الحد المسموح، واختناقها لارتفاع حرارة الجو ونقص الأكسجين. وأوضح المهندس أحمد فتحى أن أصحاب الأقفاص السمكية يلقون مئات الأطنان من الأعلاف مجهولة المصدر التى تتغذى عليها الأسماك بالأقفاص، من مخلفات المجازر والدواجن النافقة، تحت رغبة الجشع وتحقيق الأرباح على حساب صحة المواطنين، وليست تلك المرة الأولى التى يحدث فيها نفوق للأسماك، لكنها غالبًا ما كانت تحدث خلال السدة الشتوية وفى المنطقة خلف قناطر إدفينا، والتى ترتفع نسبة الملوحة بها بفعل مياه البحر، وتتنوع أسباب النفوق ما بين نقص الأكسجين الذائب، وارتفاع نسبة الأمونيا، فتؤدى إلى اختناق الأسماك.