* نعم فليعرف الشعب تفاصيل التمويل الأجنبي لجميع الجهات في مصر دون أي استثناء * مصر وصلها ما يقارب 50 مليار دولارا أمريكيا أي 300مليار جنيه مصري تحت بند “المعونة العسكرية” منذ 1979 * من يتلقي التمويل ويحرص على استمراره، لابد يتبع المانح في حركته ما ينطوي على فقدان استقلال القرا يقيني أن النزاهة والوطنية تقتضيان أن تفصح جميع الجهات في مصر، بلا أي إستثناء، عن أي تمويل تتلقاه من الخارج: دوافعه، وحجمه ، وسبل إنفاقه. فلا ريب في أن الحضارة الغربية المهيمنة على البشرية حاليا، ونحن خاضعون لها، لا تحكمها قيم أخلاقية سامية، وإن تغنت بها أحيانا، وإنما يحكمها منطق المصلحة، ويجري إهدار تلك القيم السامية بلا تردد عند أول بادرة لتعارضها مع المصلحة. ومن ثم، فإن من يموِّل جهة ما، خاصة في بلد غير بلده، غالبا ما يتوخى مصلحة خاصة له أو لبلده. وبناء عليه، فإن تلقي التمويل ينطوي دائما على شبهة تبعية المتلقي للمانح، والمثل الساري هنا يقول: “إذا وضعت يدك في جيب شخص آخر وتحرّك، فلابد أن تتحرك معه، إن أردت أن تبقي يدك في جيبه”. والدلالة واضحة: من يتلقي التمويل ويحرص على استمراره، لابد يتبع المانح في حركته ما ينطوي على فقدان استقلال القرار، وإن بدأ الممنوح بالرغبة في الحرص على استقلاله. ومن خطايا الحكم التسلطي الفاسد والمستبد الذي قامت ثورة شعب مصر العظيمة لإسقاطه في مطلع العام الماضي أن أسس لذهنية وممارسات الاستجداء من الخارج، في سياق نمط من الرأسمالية التجارية الكومبرادورية (أي العميلة للمنتجين في الخارج) والاحتكارية المنفلتة، بدلا من بناء نمط للتنمية المنتجة والمستقلة وتأسيس قيم الاجتهاد والبذل. فاستشري في جميع جنبات المجتمع داء الاعتماد على التمويل الخارجي وصولا لعائلة الطاغية المخلوع، لا سيما “السيئة” الأولى. والواقع أنه من السهولة بمكان معرفة الجهات التي تتلقي تمويلا من الخارج، وحجمها. فالمانحين في دول الغرب يتميزون بالشفافية ومن ثم يمكن التعرف على ما يمنحون، والغرض منه، من تقارير مؤسساتهم، وغالبيتها متاح على شبكة الإنترنت. كما أن الغالبية الساحقة من التمويلات الخارجية تتم من خلال تحويلات مصرفية ومن ثم يتيسر للسلطة في أي بلد معرفة التمويل الآتي لجهات محلية من خلال رقابتها على المصارف، خصوصا أنه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وافقت كل الدول على أن تمر جميع التحويلات في العالم من خلال مؤسسات رقابة مصرفية أمريكية، وهذا مصدر آخر للمعلومات عن التحويلات الواردة لبلد ما. ولا يفلت من هذه الشبكة من معلومات التحويلات الدولية إلا القسم من التمويل الدولي الذي يتفادى الطرق الرسمية من خلال إرسال مبلغ نقدية خارج النظام المصرفي، وهو الأشد استثارة للشبهات، وهنا يتوقف الكشف عن هذه التحويلات المريبة على كفاءة أجهزة الأمن، والتي يفترض أن لدينا منها في مصر الكثير. وهكذا، فإنه يمكن التعرف على حجم التمويل الخارجي وأغراضة المعلنة للغالبية الساحقة من التمويل الخارجي لجهات في بلد ما، من دون الحاجة لاتباع أساليب ترويع همجية مثل الدهم في صحبة جنود في لباس القتال مدججين بالمدافع الرشاشة. وفيما يلي مثلا حصر متاح بيسر على الإنترنت للمساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية للسلطة في مصر خلال السنوات 2001-2010، بالمليون دولار. هكذا، من دون غطاء مزعوم من النيابة ولا دهم ولا رشاشات مشرعة! الجملة العسكرية الاقتصادية السنة 1550 1300 250 2010 1500 1300 200 2009 1701 1289 412 2008 1758 1300 455 2007 1795 1300 495 2006 1819 1289 530 2005 1863 1292 571 2004 1915 1300 615 2003 2073 1300 775 2002 1990 1297 693 2001 ويُلاحظ أن المعونة العسكرية كانت في كل السنوات العشر الأخيرة أكبر من المعونة الاقتصادية، ولم تقل في أي سنة عن حوالي مليار و 300 مليون دولار، أي حوالي 8 مليارات جنيه مصري، حتى تعدت المعونة العسكرية في 2010 خمسة أضعاف المعونة الاقتصادية. وبالإضافة لذلك، تبين مصادر الإدارة الأمريكية أنه قد خُصِّص في ذلك العام مبلغ 1.9 مليون دولار للتدريب الهادف “لتقوية التعاون العسكري المصري الأمريكي في الأجل الطويل” وهذا المبلغ المخصص من موارد الإدارة الأمريكية هو على الأغلب ما يستعمل لتمويل اللقاءات الدورية بين القادة العسكريين من البلدين، والذي كان رئيس أركان الجيش المصري بسبب واحد منها في الولاياتالمتحدة بصحبة عدد من قادة القوات المسلحة المصرية، وقت إندلاع ثورة شعب مصر العظيمة في يناير 2010 ، وجرى استدعائهم على عجل. كما تفصح بيانات الإدارة الأمريكية عن تلقي القوات المسلحة المصرية معدات أمريكية عسكرية “زائدة” توازي مئات الملايين من الدولارات في السنة. وتدل هذه البيانات على أن المانح والممنوح كليهما كان يولي أهمية أكبر للمعونات العسكرية بالمقارنة بالمساعدات الاقتصادية الموجهة في الأساس لمكافحة الفقر والتي كانت تُوجه إلى الجهات الرسمية في السلطة المصرية التي تتولى التصرف فيها. وهكذا يمكن مثلا ببساطة تقدير أن السلطة في مصر ربما قد وصلها ما يقارب خمسين مليارا من الدولارت الأمريكية، أي مايوازي ثلاثمائة مليار جنيه مصري، تحت بند “المعونة العسكرية” من الولاياتالمتحدة منذ توقيع معاهدة “السلام” مع إسرائيل في العام 1979. وربما قارب إجمالي المعونة الأمريكية للسلطة في مصر في فترة حكم الطاغية المخلوع السبعين مليار دولار، أي مايقارب نصف تريليون جنيه مصري، وفق معدل الصرف الحالي. وتتعين الإشارة إلى أن هذه التقديرات لحجم التمويل الأجنبي للسلطة في مصر تقتصر على مصدر واحد، ولا تضم باقي المصادر من الغرب والشرق والعرب. هذا على حين يمكن أن يلف الغموض أوجه إنفاق الممنوحين لما يتلقون من معونات أو منح، خاصة إن كان أغراضه مشبوهة أو يساء توظيف المنح، وهذا هو مناط الإفصاح والشفافية المطلوبان لضمان النزاهة في التعامل مع مسألة التمويل الأجنبي لجهات في مصر. والتقدير، نهاية، هو أن حجم التمويل الأجنبي الذي وصل إلى السلطة في مصر في العقود الثلاثة الماضية هائل، ولا يتصور أن يقارب حجم التمويل الأجنبي لقطاع المجتمع المدني والأهلى نسبة ولو قليلة مما وصل إلى السلطة في مصر. ولذلك فمن المهم في هذه الحقبة التاريخية التي تسعى فيها مصر بعد ثورة الفل العظيمة إلى تأسيس نسق وطني للنزاهة باعتباره مكونا أصيلا للحكم الديمقراطي الصالح، أن تفصح جميع الجهات التي تلقت تمويلا أجنبيا عن تفاصيله: دوافعه، وحجمه ، وسبل إنفاقه. ولا ريب في أن النزاهة والمصلحة العامة تتطلبان أن تفصح جميع الجهات في قطاع المجتمع المدني والأهلي عن تفاصيل التمويل الأجنبي الذي تلقته: دوافعه، وحجمه ، وسبل إنفاقه. ولكن من دون أساليب بطش بوليسي أو مداهمة همجية. فيقيني أن مخاطبة سلطات التحقيق للمانحين الأجانب لمنظمات المجتمع المدني في مصر، وكلهم يتسمون بالشفافية في وثائقهم المتصلة بالتمويل الممنوح، وكثرتها متاح على شبكة الإنترنت، كان سيتيح لسلطات التحقيق في مصر الحصول على معلومات ربما أفضل مما توصلوا إليه بعمليات الدهم التي قاموا بها في صحبة الشرطة والقوات الخاصة المسلحة، ما يدل على أن القصد كان الإرهاب والترويع بدلا من التحقيق المنصف. ومن قبيل ضرب المثل وإعطاء القدوة الحسنة، فلعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة باعتباره السلطة الحاكمة في هذه المرحلة الانتقالية، وباعتبار المعونة العسكرية بالغة الضخامة، أن يبدأ بالإفصاح عن تفاصيل التمويل الأجنبي الذي تلقته السلطةلأغراض عسكرية، فالإحسان كما يقال يبدأ بالبيت. بعد ذلك يستقيم الأمر أكثر بإفصاح جميع الجهات الرسمية في مصر عن تفاصيل التمويل الأجنبي الذي تلقته وأوجه إنفاقه. وتكتمل متطابات النزاهة ومقتضيات حماية ثورة شعب مصر الرائعة، بتقصي تفاصيل التمويل الأجنبي للجهات التي يشتبه في كيدها لثورة الفل العظيمة أو توظيفها للتمويل الأجنبي في مكاسب سياسية مثل جمعية محمد علاء مبارك وجماعات الإسلام المتشدد، على الترتيب. وفي هذه الحالات الأخيرة يجب أن نعترف بأن التوصل لتفاصيل التمويل الأجنبي قد لا يكون بسهولة حالات التمويل من مصادر تتسم بالشفافية في معوناتها الممنوحة، وهنا تظهر كفاءة أجهزة الأمن. وفّق الله المجلس الأعلى للقوات المسلحة في تبيان حقائق التمويل الأجنبي لجهات في مصر، وإعلانها على الملأ بشفافية! وإن لم يقم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بهذه المهمة المطلوبة لتأسيس الحكم الديمقراطي الصالح في مصر فلتكن ضمن أولويات مجلس الشعب القادم، إن أراد إصلاحا حقا. ر