أثارت مواد قانون الكيانات الإرهابية التى تعتزم الدولة تطبيقه خلال الفترة القليلة الماضية، جدلا قانونيا وحقوقيا، الأمر الذى دفع عدد من المنظمات الحقوقية لإصدار بيان ترفض فيه مواد القانون الذى اعتبرته مطاطا ويستهدف عددا كبيرا من فئات الشعب بما فيهم المنظمات الحقوقية والجماعة الصحافية فى مصر. واعتبرت بعض المنظمات الحقوقية أن القانون المزمع إصداره يشكل اعتداءً سافرًا على الدستور وأحكام المحكمة الدستورية العليا، ويقوض ما بقي من النظام القضائي المصري، وأنه يكرس لحالة طوارئ غير معلنة وغير محددة المدة، ويؤسس لنظام قضائي استثنائي، لافتة إلى عدم انضباط نصوص التجريم الواردة في المشروع، وأن تطبيقه سينال من الحقوق والحريات كحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وحق تكوين الجمعيات. وأعلنت المنظمات الحقوقية موقفها الرافض للقانون عبر بيان مجمع صدر ليتلاقى موقفهم مع نقابة الصحفيين الرافضة لمشروع قانون مكافحة الإرهاب؛ نظرًا لتعارضه مع المادة 71 من الدستور المصري، ولما يمثله من إعادة للقيود التي ناضلت الجماعة الصحفية لإلغائها عبر عقود من تاريخها، والذي توُج في دستور 2014، كما تلاقى أيضا مع مجلس القضاء الأعلى في رفضه لعدد من مواد القانون باعتباره يهدر حقوقًا أساسية في التقاضي وحقوق الدفاع، وإنشاءه لمحكمة "خاصة" لنظر قضايا الإرهاب. "قانون الكيانات الإرهابية".. تعريف فضفاض ومطاط للعمل الإرهابي اعترض عدد من الحقوقيين على المادة الأولى بند 7 من القانون الذى يعرف العمل الإرهابي بشكل مطاط بالمخالفة للمادة 95 من الدستور، حيث قال الناشط الحقوقي، مينا ثابت، إن الدستور والقانون فى حالة تعارض، وإن الفقرة الثانية من البند المذكور تنص على "كل سلوك يرتكب بقصد تحقيق أحد الأغراض"، ولم يشترط أن يكون عنيفا، وبالتالى من الممكن أن يتم تصنيف السلوك السلمى أيضا كعمل إرهابي. وأضاف "ثابت": اعتبر القانون أن العمل الإرهابي يتحقق عن طريق "تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح"، وبذلك يضع كل المطالبين بتغييرات دستورية أو قانونية تحت طائلة القانون، واتهامهم بالإرهاب، مثل الدعوات الرافضة لقانون التظاهر. القانون يكرس لتكميم أفواه الصحفيين وحبسهم بالمخالفة للدستور ويكرس مشروع القانون للعديد من القيود على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، حيث اعتبرت المادة الأولى بند 8 "من ضمن وسائل تمويل الإرهاب الإمداد ببيانات أو معلومات بأي وسيلة بما في ذلك الشكل الرقمي أو الإلكتروني، فالقانون اعتبر أن تداول المعلومات التى تحتجبها الدول عمل إرهابي، ما يشكل خطرا حقيقيا على الحريات، كما جاءت المادة 26 لتعاقب بالسجن لمدة خمس سنوات وتصل لسبع سنوات سجن مشدد كل من "روج" أو أعد للترويج لارتكاب أية جريمة إرهابية سواء بالقول أو بالكتابة أو بأية طريقة أخرى. وتعاقب المادة 27 من القانون بالسجن المشدد الذي لا يقل عن 5 سنين لكل من أنشأ موقع إلكتروني بغرض ترويج أفكار إرهابية أو تضليل السلطات أو التأثير على العدالة، وهو ما يمس الصحافة الإلكترونية والمنظمات الحقوقية والقوى الثورية أيضا، كما أن القانون يرسخ لفكرة الإعلام الموجه وتقييد حرية الصحفيين والإعلاميين، فقد جاءت المادة 33 لتحظر على وسائل الإعلام استقاء المعلومات من مختلف المصادر وتقييمها ونشر مختلف الآراء؛ فوفقاً للمادة يعاقَب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين كل من ينشر أخبار أو بيانات تخالف الصادرة عن الجهات المعنية كونها بيانات غير حقيقية – على حد وصف المادة- وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية. فبموجب هذه المادة حظر مشروع القانون على الجهات الصحفية والإعلامية نشر أي معلومات غير التي تعتمدها الحكومة، وهي بذلك تعتبر معلومات الحكومة الحق المطلق ومن يخالفها يستوجب الحبس. نظام قضائي استثنائي يهدر ضمانات المحاكمات العادلة أكد البيان التحليلى الرافض لمشروع الكيانات الإرهابية والصادر عن 17 منظمة حقوقية أن مشرع القانون أنشأ محكمة خاصة للنظر في قضايا الإرهاب ووضع نظام قضائي استثنائي للمحاكمة، وطريقة الطعن على أحكامها. ورأت المنظمات الموقعة أن مشروع القانون يرسخ لنظام المحاكمات الاستثنائية على غرار محكمة "أمن الدولة العلية طوارئ"، كما أنه يعمد إلى تعديل النظام القضائي الجنائي فيما يخص الجرائم الإرهابية، فعلى الرغم من أن المحكمة منشأة بقانون ويحدد نظام عملها المجلس الأعلى للقضاء، إلا أن إجراءات العمل بها والطعن على أحكامها تخل إخلالًا جسيمًا بالحق في محاكمة عادلة ومنصفة، وكذا بضمانات الدفاع. فوفقًا للمادة 50، يعتبر الحكم الصادر في أي من القضايا الواردة فيه حضوريًا في حق المتهم إذا حضر وكيل عنه وأبدى دفاعه، وذلك استثناءً من أحكام المادة (388) من قانون الإجراءات الجنائية – التي ترفض رفضًا مطلقًا حضور محام وشخص ينوب عن المتهم الغائب، ومن ثم فتح المشروع الباب أمام المحاكم لانتداب المحامين عن المتهمين الغائبين دون موافقتهم ومفاجأتهم بصدور حكم جنائي في مواجهتهم وتفويت درجة تقاضي عليهم، كما أن المادة 51، تقلص مواعيد الطعن بالنقض من 60 إلى 40 يومًا فيما يخص الجرائم الإرهابية، ما يعد إخلالًا آخر بحق الدفاع، فبموجب قانون الإجراءات الجنائية، يلتزم القاضي بإبداء أسباب الحكم وكتابته في غضون 30 يومًا من صدوره، وبالتالي فإنه لم يتبق للمتهمين سوى 10 أيام لدراسة أسباب الحكم وإيداع مذكرة النقض. يقول محمد عبد العزيز، الحقوقي بمركز الحقانية، إن مشروع القانون ينهي فكرة ضمانات المحاكمة العادلة، ويهدر باب الحقوق والحريات في الدستور، وفي ظل عدم وجود أصوات مناهضة له بقوة، سيتم تمريره، والأمر الذى قد يزج بصاحب أي رأي معارض ولو على الفيس بوك بالسجن المشدد، فى ظل إنشاء محاكم متخصصة في طبيعة تلك الجرائم بخلاف الدوائر المقررة من محاكم الاستئناف في قضايا الاٍرهاب. وأضاف "عبد العزيز" أن ضمانات المحاكمة العادلة ونصوص الدستور لا تعيق العدالة، لكن الاٍرهاب، ومغازلة أحزاب دينية مؤيدة للسلطة، ومناهج التعليم الديني المتخلف، والقوانين الظالمة، وممارسات القمع والتعذيب، وتهميش الأحزاب السياسية، وتأميم العمل الأهلي، أكبر عائق للعدالة. وأوضح "عبد العزيز" أن المادة 51 من مشروع القانون أتاحت لرئيس الجمهورية إمكانية إصداره قرارًا باتخاذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، بما في ذلك إخلاء بعض المناطق أو عزلها أو حظر التجول فيها، وأيضًا ما قررته الفقرة الأخيرة منها بجواز اتخاذ التدابير المشار إليها بمقتضى أوامر شفوية على أن تعزز كتابة خلال 8 أيام المأخوذة –حرفًا ونصًا– من الفقرة الأخيرة من المادة 3 من قانون الطوارئ. أكد الناشط الحقوقى أن المادة 154 من الدستور لم تجز لرئيس الجمهورية إعلان حالة الطوارئ إلا لمدة لا تجاوز 3 أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، وذلك بعد موافقة أغلبية أعضاء البرلمان، في حين أن المادة 51 أجازت إعلان حالة طوارئ مقنعة تحت مسمى آخر لمدة 6 شهور يمكن مدها إلى أجل غير مسمى بالمخالفة للدستور. وتابع: تكريسًا للإجراءات الاستثنائية، أوردت المادة 38 حكمًا يشبه أوامر الاعتقال، عندما نصت على سلطة مأموري الضبط القضائي في التحفظ –الذي لا يعد قبضًا بالمعنى القانوني– على الأشخاص لمدة لا تجاوز 24 ساعة مع جواز مد التحفظ لسبعة أيام بقرار من سلطة التحقيق، ما يعطى سلطات استثنائية للنيابة العامة ليست من صلاحيتها سوى الأمر بحبس المتهم لمدة لا تجاوز 4 أيام، وخروجًا على الأصل العام، تجيز المادة إطالة مدة استجواب المتهم من 24 ساعة –المنصوص عليها بقانون الإجراءات الجنائية (المادة 36 فقرة 2)– إلى 48 ساعة دون وجود حجة أو سند لذلك . وأشار "عبد العزيز" إلى أن مشروع الكيانات الإرهابية أسوأ من قانون الطوارئ، خاصة أن الأخير محدد بمدة ويعطل قانون الإجراءات الجنائية بقرار الاعتقال الإداري وتشكيل محاكم استثنائية، أما بالنسبة لمشروع قانون الاٍرهاب، فغير مرتبط بمدة محددة ونصوصه المطاطة تضع جميع المعارضين في سلة واحدة طبقا لأداء التلفيق الأمنى وأهواء السلطة السياسية التى لا تفرق بين أصحاب الرأي وأصحاب القنابل باتساع دائرة الاشتباه –بحسب تعبيره.