يجعل كلامنا خفيف عليكم، يا صايمين رمضان، لا بنحكي عن عنترة، ولا بن ذي يزن، ولا الهلايلة، ولا حتى بيبرس، ولا الأمير البهلوان.. كان يا «مكان»، من غير ربابة ولا طبلة ولا مزمار، نحفظ كافة الأشعار، بألف حكاية وحكاية، نلم شمل العطشانين، والسهرانين في نهار رمضان.. كان يا «مكان».. يا رايحين لأم الغلام، ماشيين على الطوب والدم والأسفلت، من جامع الجوكندار ماشي على كعوب رجليا، لو كنت في الجمالية، عنيك هتلمح بيتها وسبيلها وقبرها، في قلب القاهرة التاريخية، تلاقيها لوحدها تطبب المرضى في كل زمان ومكان.. خلف المشهد الحسيني بمنطقة الجمالية بالقاهرة، يقع جامع ابن برديك والمعروف بجامع أم الغلام، والذي يتميز بعمارته المملوكية الرشيقة، ومئذنته الفريدة في تصميمها ومنبره الذي يعد واحدًا من أنفس المنابر الخشبية في عمارة مصر الإسلامية. منشئ هذا الجامع هو الأمير محمد بن برديك الأشرف الدوادار، أحد مماليك السلطان الأشرف إينال، إذ رباه فترقى في وظائف دولته حتى صار خازانداره، وتزوج من ابنته الكبرى فزادت وجاهته وعظمت مكانته حتى أنعم عليه السلطان بالإمارة وجعله دوادارا ثالثاً، فظل يشغل هذه الوظيفة طوال عهدي الأشرف إينال والظاهر خشقدم. هذا الأثر أحيط به كثير من علامات الاستفهام غير المحققة، أولها أن علي باشا مبارك قد نسب بناءه إلى السلطان الأشرف إينال نفسه، رغم أن لهذا السلطان مجموعته المعمارية الخاصة به ورغم أنه لا توجد به أية نصوص كتابية تشير إلى ذلك. وأغلب الظن أن سبب هذا الخلط يرجع إلى أن منشئه الفعلي هو بن برديك عتيق السلطان إينال، وزوج ابنته، وأنه خلا من أية كتابة تثبت ذلك. وثاني هذه الاستفهامات -كما يضيف الزيات- أن كتابات اللوحة الموجودة على يسار محرابه، تشير إلى أن به مقام السيدة فاطمة الزهراء، وابنها الأمام الحسين رضوان الله عليهما، وأن هذا المقام حدده بدر الدين بين بيليك العلائي سنة 652ه / 1254م، في بداية عهد دولة المماليك البحرية. تتكون العمارة الخارجية لهذا الأثر من واجهة رئيسية واحدة في الناحية الجنوبية الشرقية، بها مدخل رئيسي عبارة عن حجر غائر تغطية طاقية على هيئة ربع قبة، ترتكز على أربع حطات من المقرنصات وتكتنف هذا الحجر من أسفل مكلتان حجريتان، بعلوهما إزار غائد خال من الكتابات، وبين هاتين المكلتين فتحة باب ذات مصرعين خشبيين، فوقهما عتب مستقيم من صنجات حجرية معشقة، يليه نفيس فوقه عقد على عاتقٍ من صنجات معشقة أيضا. ويلي ذلك دخلة ذات صدر مقرنص بمقرنصات من حطتين تتوسطهما نافذة مستطيلة تعلوها نافذة ثانية أصغر منها، وعلى جانبي هاتين النافذتين كتابة كوفية بارزة نصها لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلى جانبي هذا المدخل الرئيسي توجد أربع حنيات متشابهة، ذات صدور مقرنصة بمقرنصات من حطتين منها اثنتان على يمنيه واثنتان على شماله بينهما قمرية دائرية، وأسفل كل حنية من هذه الحنيات فتحة شباك مغشي بحجاب من المصبغات المعدنية يعلوه عتب مستقيم من صنجات حجرية معشقة، يليه نفيس فوقه عاتق من صنجات معشقة أيضا، وأعلاها نافذة مستطيلة معقودة بعقد مدبب يغشيها حجاب من السلك الرفيع.