أسعار العملات اليوم 16 أبريل.. ارتفاع جماعي علي خلفية الضربة الإيرانية    ارتفاع الصادرات السلعية المصرية إلى 9.6 مليار دولار خلال أول ثلاث شهور من 2024    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    خادم الحرمين وولى العهد يعزيان سلطان عمان فى ضحايا السيول والأمطار    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    الخارجية الأمريكية: العراق يمتلك إمكانيات هائلة لتجديد الطاقة بالشرق الأوسط    اليابان تحث إيران على ضمان سلامة الملاحة بالمنطقة    الرئيس الصيني يدعو إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا    كول بالمر يصبح أول لاعب في تشيلسي يقوم بتسجيل سوبر هاتريك في مباراة واحدة منذ فرانك لامبارد في 2010    مصرع منجد بالبيلنا سوهاج فى مشاجرة بسبب خلافات الجيرة ولهو الأطفال    اليوم.. محاكمة المتهمين في قضية الرشوة الكبرى بمصلحة الجمارك    سحب ركامية وأمطار غزيرة تضرب الإمارات    جنايات المنصورة تعقد جلسة النطق على 3 متهمين بقتل سائق توك توك بالدقهلية    وزارة التعليم تتيح التقدم للمدارس اليابانية من اليوم ولمدة 15 يوما    رد الدكتور أحمد كريمة على طلب المتهم في قضية "فتاة الشروق    هيئة الرعاية الصحية تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024 في محور الصيدلة وإدارة الدواء.. ما تفاصيلها؟    رئيس شعبة الثروة الداجنة يكشف عن الأسعار والتحديات في سوق الدواجن المصري    مصر تستعد لموجة حارة وأجواء مغبرة: توقعات الأرصاد ليوم غد واليوم الحالي    "مدبوحة في الحمام".. جريمة قتل بشعة بالعمرانية    نجم الأهلي يهاجم كولر بعد هزيمة القمة ضد الزمالك    الرئيس الإيراني: الدعم الأعمى لبعض الدول الغربية لإسرائيل سبب التوتر في المنطقة    تهديد شديد اللهجة من الرئيس الإيراني للجميع    بعد سقوط كهربا المفاجئ.. كيفية تجنب إصابات الركبة والساق في الملاعب والمحافل    معلومات مثيرة عن كيفية فقدان الحواس أثناء خروج الروح.. ماذا يسمع المحتضرون؟    كندا تدين الهجمات الإجرامية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.. وتدعو لمحاسبة المتورطين    الجائزة 5000 دولار، مسابقة لاختيار ملكة جمال الذكاء الاصطناعي لأول مرة    رئيس تحرير «الأخبار»: المؤسسات الصحفية القومية تهدف إلى التأثير في شخصية مصر    موعد انتهاء خطة تخفيف أحمال الكهرباء.. متحدث الحكومة يوضح    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    جدول امتحانات المرحلة الثانوية 2024 الترم الثاني بمحافظة الإسكندرية    لجنة الحكام ترد على عدم صحة هدف الثاني ل الزمالك في شباك الأهلي.. عاجل    حظك اليوم برج القوس الثلاثاء 16-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    قبل امتحانات الثانوية العامة 2024.. أطعمة تعزز تركيز الطالب خلال المذاكرة    جامعة سوهاج تستأنف عملها بعد إجازة عيد الفطر    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    إسكان النواب: قبول التصالح على مخالفات البناء حتى تاريخ المسح الجوي 15 أكتوبر 2023    تفاصيل حفل تامر حسني في القاهرة الجديدة    تعليق محمد هنيدي على فوز الزمالك بلقاء القمة في الدوري الممتاز    تحرك برلماني ضد المخابز بسبب سعر رغيف العيش: تحذير شديد اللجهة    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    «حلم جيل بأكمله».. لميس الحديدي عن رحيل شيرين سيف النصر    هل هناك جزء ثان من «بدون سابق إنذار».. عائشة بن أحمد تحسم الجدل وتجيب؟    خبير تحكيمي: كريم نيدفيد استحق بطاقة حمراء في مباراة القمة.. وهذا القرار أنقذ إبراهيم نور الدين من ورطة    مواقيت الصلاة في محافظات مصر اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024    هل نقدم الساعة فى التوقيت الصيفي أم لا.. التفاصيل كاملة    تفاصيل إعداد وزارة التعليم العالي محتوى جامعي تعليمي توعوي بخطورة الإنترنت    "كنت عايز أرتاح وأبعد شوية".. محمد رمضان يكشف سبب غيابه عن دراما رمضان 2024    حسن مصطفى: أخطاء كولر والدفاع وراء خسارة الأهلي أمام الزمالك    إبراهيم نور الدين يكشف حقيقة اعتزاله التحكيم عقب مباراة الأهلى والزمالك    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    التعليم: مراجعات نهائية مجانية لطلاب الإعدادية والثانوية لتحقيق الاستفادة من نواتج التعلم    رئيس تحرير "الجمهورية": لا يمكن الاستغناء عن الأجيال الجديدة من الصحفيين.. فيديو    خالد الصاوي: مصر ثالث أهم دولة تنتج سينما تشاهد خارج حدودها    رئيس تحرير «الأهرام»: لدينا حساب على «التيك توك» لمخاطبة هذه الشريحة.. فيديو    لماذا رفض الإمام أبو حنيفة صيام الست من شوال؟.. أسرار ينبغي معرفتها    لست البيت.. طريقة تحضير كيكة الطاسة الإسفنجية بالشوكولاتة    تجديد اعتماد المركز الدولي لتنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس والقيادات بجامعة المنوفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«البديل» تنشر حلقات من رواية محمد زيادة «فى حضرة ستنا»(3)
نشر في البديل يوم 01 - 07 - 2015

من أين ظهر الحاج إبراهيم قليل الحركة، من أى مكان أتى.. وهو الذي لا يغادر محل عمله إلَّا للصلاة في مسجد "السيدة" في الجهة المقابلة لسيدي العتريس في شارع بورسعيد بميدان السيدة زينب؟!
شعرت بالعجز عن الشكر والخجل يغمرني وتحرك الدمع عرفانًا بإنقاذي من الوقوع في شباك ساقطة لا تتوانى عن استقطاب زبائنها من الشارع، حتى خدرها ونظرت حولي من جديد، كانت أعمدة المسجد تحيط بي من كل مكان وكأنها تحميني وتحاصرني وودت لو حضنتها وقبلتها جميعًا ممتنًا للفضل..
كنت أريد تقطيع قدماي، لإطاعة هوى نفسي، بالسير إلى حرمات الله..
حمدت الله كثيرًا على تضييع فرصة تسجيلي مذنبًا، وسمعت من يهمس في أذني اليسرى "أنت بتحلم يعني السيدة زينب هتعمل ده كله إنت مجنون"..
نبهني صوت الحاج إبراهيم بجوارى "يقال إن مسلمة بن مخلد كان والي القاهرة، وحضرت ستنا بصحبة من شملتهم برعايتها ومنهم سيدي زين العابدين بن مولانا سيدنا الحسين، عرف مسلمة بن مخلد أن عقيلة بني هاشم تتجه إلى مصر، ترك داره الذي هو مكان المسجد الحالي قبل زيادة توسعته، خرج حافي القدمين لاستقبال "أم هاشم" ووقف أمامها معلنا صحبتها حتى داره التي جعلها مقرًّا لها وخرج منه ولم يأته بعدها إلَّا زائرًا يطلب النفحات والبركات"..
أنظر للحاج إبراهيم وهو يتحدث في سرعة ضاغطًا حروفه، مؤكدًا وموثقًا لما يرويه.. أقول في نفسي: "الرجل يرد على هواجسي.. الراجل ده جالي منين"..
انت كنت فين يا حاج إبراهيم؟
" أبدًا قلت أمشّى رجلي.. واحد موصيني اشتري له عطارة من عند "مولانا" وانا بخدها على قد مشيتي.. ومتعود من السكة دي.. بحب أمشى جنب الحجارة الكبيرة اللي عرق ذراع أصحابها لسه عليها.. منشفش وكل ما أشوفه.. أدعيلهم بالرحمة وهم بيبقوا مبسوطين بى ان حد فاكرهم.. شايف يابني الحجارة حواليك مرصوصة إزاى.. ما عاشتش العمر ده إلا بإخلاص البنائين.. ما احنا عملنا كده يا بني كل ما كان مخلص كل ما يدوم عندالله.. وربنا يحافظ عليه ويكافئنا عليه ..
تعرف يا يوسف يابني.. المكان اللي احنا فيه كام ولي كانوا هنا يا خبر كتير تعرف إن أعمالهم كلها مازالت ممدودة وبتزيد علشان كانوا مخلصين".
تسقط عبارات وكلمات الحاج إبراهيم فى قرار بعيد داخل عقلي أشعر أحيانًا أن رأسي أكبر من قبة مسجد السيدة زينب وأحيانًا بحجم "الكازوزة" يضربه الحصى تتقاذفها الأقدام.. تقف أمامي أشياء لا أفهمها..
لكن المحلات مغلقة يا عم الحاج دلوقتي!!
"إلى أن تتوقف خطواتي.. أكون أول زبون آخذ عطاء رزق البكور.. ربنا معودنى على كده"..
الجو برد عليك يا حاج ابراهيم..
"أول ما الشروق يبدأ يأذن بيه ربنا.. أكون بنظف عند سيدك العتريس عارف البلاط الأبيض الكبير.. الأرضية حول المقام مجرد ما تاخد نفس الشمس تدفى أجلس فوقها وأمد رجلي.. تكييف رباني لا شبيه له.. ربنا ما بيرفعش إيده عن المنكسرين أبدًا حتى لو أهملوهم عبيده.. هو الحنان وهو الرحمن يا سلام لما تسند راسك ..وتسيب جفونك تنزل على اخواتهم وانت باصص على مقام ستنا تنام وانت فى رحابها وأول ما تصحى تفتح عينك تلاقى أمك أمامك.. فيه يا بنى حلاوة غير كده..الدقيقة عند المقام تساوى كام؟"..
ويضحك الحاج ابراهيم وهو يسأل سؤاله الأخير..
كنت بعيدًا أغوص بفكرى ومشاعري وهو يخاطبني أتخيل السماء التي تطل على مقام سيدي العتريس بالفعل كيف لم أتنبه إلى هذا التميز المعماري من قبل.. الحاج إبراهيم ده خطير؟
والله ما أعرف يا حاج بكم تساوي الدقيقة عند المقام .. ومين يعرف يحسبها يا حاج؟
أنا أقول لك يا بني..
"الوقت عند أسيادنا لا يحسب بساعة الدنيا إذا كان هم "لاخوف عليهم ولا هم يحزنون" وربنا طهرهم هو مش طهرهم بس ده قال اللهم لا تحرمنا من فضله "تطهيرًا" عارف يعني إيه ومين اللي بيقول خالق العبيد والسماء والأرض.
هو ربنا خالق السما والأرض والبشر بس؟! لا.. في أكوان تانية كلها بتسبح بحمده وتنزهه عن النقائص ماكنش قال: "كل في فلك يسبحون" شوف انت بقى مين "كل" ومين "الفلك" وما يدور فيه وحوله وبعده وفسر انت كلمة "يسبحون".. فالوقت عند أسيادنا له حسابات تانيه.. وقطع حديثه بعد أن وصلنا إلى شارع الأزهر وأمام محل تعلوه لافتة "صلي على النبي" بالخط الثلث الجلى غاية في الإبداع والتنسيق، مازالت تتوهج زخارفها في تحد واضح للشمس والهواء إبداع فجر فيَّ كل الدهشة وعلامات التعجب فقد كان الحاج إبراهيم يقف أمام المسن الذي يعمل "المنشة" وينظف ويمسح الأواني الزجاجية والصفائح المعدنية، القابع بها كل أنواع البهارات والعطارة وأشياء كثيرة أجهلها تشفي الأمراض وتقتل الحشرات أيضًا.. كما يتضح من مسمياتها..
كان الحاج إبراهيم أول زبون بالفعل نظر إليه الرجل ونقل بصره إلى وقال "ربنا يهديك يا ابني"..
مالي يا عم الحاج هو أنا شيطان هو في إيه طبعا كانت هذه رسالتي الخرساء من نظرتى إليه.. ولكنه لم يكترث.
التفت إلى الحاج إبراهيم وقال: "تعبتك يا بنى يلا ادخل زور "مولانا" وماتنسناش من الدعاء"..
غادرت مكاني مسرعًا كأني أفر من ضغوط على صدري ضاق حالي بها وتذكرت صاحبي الذي كنت أقف في انتظاره في شارع بورسعيد قبل ملاقاة المرأة..
ونظرت إلى الطريق رأيت أتوبيس هيئة نقل القاهرة رقم 2 (الدراسة المطبعة ) فقفزت إليه التقطني بابه الخلفي رمقنى الكمساري مبادرًا: "يا صباح الخير ياللي معانا"!!
نظرت إليه شذرًا لم أستسغ تحيته، حفرت في جيبي على أي عملات فضية أسعفتني أصابعي ب35 قرشًا فضة قذفت 10 صاغ بكفي كمن يلعب "ملك وكتابة" على الحاجز الخشبى أمام الكمساري..
رد على باستنطاع وبرود كمان 15 قرش التذكرة بربع جنيه رددت عليه أنا نازل "السيدة".. قصدي عابدين عند مستشفى الجمهورية.
الجمهورية الجمبورية!! التذكرة ب25 قرشًا.
يا عم أنا "طالب" أدفع نص تذكرة!
طالب إيه.. إنت فى مدرسة إيه؟ وايه اللى جابك من شارع الأزهر الساعة دي..
انت صنايعى فين؟
لا شيء يخرس الكمساري إلَّا التذكرة.. حكمة من اختراعي.. أبرزت باقي ال15 قرشًا واتحركت تدفعني سرعة الأتوبيس في الشارع شبه الخالي من السيارات في هذه الساعة، دقائق وسقطت من الباب في خفة، ورشاقة أجاري كاوتش الأتوبيس بعد تنازلي لمست قدمي الأسفلت معجبًا بشبابي وصحتي عادت خطواتي إلى مكان وقوفي منذ ساعة ونصف ألمح صديقي يجلس وجهه به شيء من الضيق يخرج أنفاس الشيشة من منخاريه..
اتجهت إليه.. وابتدرني مستنكرًا كنت فين يا عم.
اسكت مش هتصدق!
كنت ب.. يعني "اسكت مش هتصدق"
- "كنت ب.. يعني؟ مش ناقصاك والنبي، الواحد قرفان، الناس رايحة وجاية، وأنا قاعد زى قلتي.. و.. و… … …"
جلست معه أسمع صوت حديثه لا يصل إلى ذهني شيء، كان عقلى مشغولًا، يمور بألف سؤال.. من أين يأتي هؤلاء الناس بحكمهم، من أين يأتيهم ماهم فيه، كيف يظهر أمامي الحاج إبراهيم في لحظة فارقة يمنعني أن أكون بين أحضان من كنت في عقر دارها.. لا يفرقنى عن تقبيلها لحظات؟ الحاج إبراهيم حياته في مسجد السيدة زينب.. روحه هناك، حتى عمله بمحل جهة المسجد أمام الباب الرئيس بالميدان.. إذن فهناك مشرب روحى كما يقولون.. أسمع عن كرامات كثيرة تدور هناك وتحدث لمن سأل الزيارة، أو الفواتح..
صديقى يزمجر مستاء.. أنني لست معه.. أنا في مكان آخر.. حسمت أمري، يجب أن أصل إلى منبع الأسرار.. سأكثف من تواجدى بين الداخلين إلى هناك، قررت أن أصل بنفسى إلى سبب مكوث الناس داخل المسجد والتصاقهم.. هم يقولون" ليس مكوثًا.. وإنما ملاذا وعوزا لاينقطع".. "يشربون كل على قدره "كماسمعتهم يتفاخرون بذلك في إحدى الليالي"..
- "أيوه كنا بنقول إيه"؟
- "نقول إيه ؟"!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.