بعد أكثر من أربعين عامًا على رحيل الزعيم جمال عبدالناصر، فرحنا بالقرار المتأخر الذي ينص على تحويل بيته الذي عاش فيه طوال فترة حكمه، إلى متحف يضم مقتنياته الشخصية، هذا القرار الصادر منذ أكثر من سنة ونصف، منذ فبراير 2014، حينها كان يشغل حقيبة الثقافة الدكتور جابر عصفور، ويترأس قطاع الفنون التشكيلية، الدكتور صلاح المليجي. ودارت الأيام، ومرت الأيام، ما بين وزير ووزير، ليذهب عصفور ويأتي النبوي، ويذهب المليجي، ويحل محله الدكتور أحمد عبد الغني، ثم الدكتورة سلوى الشربيني، وأخيرًا الدكتور حمدي أبو المعاطي.. وما يزال المتحف في علم الغيب، أو كما في الأمثال: «يا مستني السمنة من بطن النملة عمرك ما حتقلي». بعد كل فترة طويلة، يخرج علينا مسؤول يحدد ميعاد للانتهاء من أعمال المتحف ويحكي لنا عن زيارته لبيت عبد الناصر، وطبعا يرفق معها صورًا جولته، فمثلًا نجد الدكتور حمدي أبو المعاطي رئيس قطاع الفنون التشكيلية، يصرح منذ أيام: "إن الشركة المنفذة لمشروع متحف منزل الزعيم جمال عبدالناصر وعدت بتسليم الموقع نهاية أكتوبر القادم"، وأنه وجه بأن يتم وضع عدد من التصورات لسيناريو العرض المتحفي لاختيار الأفضل ليُضاف كصرح متحفي هام إلى منظومة المتاحف القومية التابعة للقطاع. طبعًا جاء ذلك خلال الجولة التفقدية التي قام بها أبو المعاطي، يوم الأربعاء 17 يونيو، لمشروع متحف الزعيم جمال عبدالناصر بمنطقة منشية البكري، للوقوف على الوضع الحالي للمشروع، وما تم إنجازه من الخطة الإنشائية، ومدى توافقها مع المدة الزمنية المُحددة لهذا المشروع. وذكر "أبو المعاطي": "أن خطة العمل تسير بشكل مقبول، لكنه طالب بتسريع وتيرة العمل حتى يمكن الالتزام بالموعد المحدد، مُشيرًا .. أنه سيتابع العمل باستمرار حتى موعد التسليم، وحتى يصبح هذا الحلم الوطني والقومي حقيقة". مضيفًا أن المتحف سيُمثل بانوراما تاريخية تحكي قصة كفاح زعيم وتوثق لحقبة هامة من تاريخ مصر منذ اندلاع ثورة 23 يوليو 1952 وحتى رحيل الرئيس "عبدالناصر"، وأنه نظرًا لجماهيريته ومكانته في قلوب المصريين والعرب بل وفي إفريقيا والعالم كزعيم قاد ثورة تحررية ودعم وساند العديد من حركات النضال والكفاح ضد الاستعمار العالم، فسيكون هذا المُتحف من أهم أماكن الزيارة المدرجة على أجندة الجمهور الداخلي أو القادم إلى مصر في رحلات سياحية". تجدر الإشارة أن سيناريو العرض المتحفي يحتوي على ثلاث مسارات، الأول مخصص لبيت الزعيم بجميع محتوياته والتي تشتمل علي جناح المكتب وجناح الصالونات وجناح النوم بالدور العلوي، أما المسار الثاني هو مسار تاريخي يستعرض أهم الأحداث المرتبطة بالزعيم جمال عبدالناصر بداية من 52 وحتي وفاته، والمسار الثالث مخصص لعرض المقتنيات من الأوسمة والأنواط والنياشين والهدايا التذكارية التي حصل عليها الرئيس سواء من الملوك والرؤساء أو أفراد ومؤسسات. وكان بيت الزعيم الراحل، وهو من أملاك الدولة، خصص لإقامة أسرته بعد وفاته بناء على مرسوم حكومي. ثم آلت ملكية البيت إلى الدولة مرة أخرى بعد رحيل زوجته السيدة تحية في عام 1990، ليظل البيت مهجوراً ويعاني من الإهمال الشديد حتى صدور قرار جمهوري في عام 2007 بتحويل البيت إلى متحف، إلا أن هذا القرار الأخير لم ينفذ هو الآخر. وظلت المتعلقات الشخصية للرئيس الراحل والتي قدمتها أسرته للدولة، معروضة بعد ترميمها في إحدى الغرف الصغيرة داخل مبنى دار الكتب والوثائق المصرية حيث كانت تُعرض القطع بالتناوب نظراً إلى ضيق المساحة. وبعد الانتهاء من تجهيز المتحف ستنقل المقتنيات للعرض فيه. سبق "منذ أكثر من عام"، وقال الفنان صلاح المليجي، وقتما كان رئيسًا لقطاع الفنون التشكيلية، وهو الجهة التي تتولى مسؤولية إعداد المتحف: «إنه شرف كبير لقطاع الفنون التشكيلية المصري أن يقوم بأعمال تحويل منزل الزعيم جمال عبدالناصر من خلال جهاز مشاريع الخدمة الوطنية، ليكون متحفاً يضم بين جنباته جزءاً مهماً من تاريخ مصر الوطني، ويحكي ويسرد تاريخ الزعيم الراحل وما قدمه للأمة العربية طوال فترة حكمه». خطة العمل التي أعلن عنها المليجي جاءت على 3 مراحل، خصصت الأولى منها لأعمال الترميم والإنشاءات والشبكات، والمرحلة الثانية خصصت للتشطيبات النهائية. أما المرحلة الثالثة، فهي لتجهيز العرض المتحفي، أي أن المتحف ما زال أمامه عام ونصف تقريبًا كي يرى النور. سيعتمد العرض داخل المتحف، على وسائط متعددة من تسجيلات نادرة وأفلام وثائقية وخطب تاريخية ووثائق مرتبطة بهذه الأحداث جميعها. كما يشمل عدداً من الملحقات المساعدة كالمكتبة المختصة التي من المقرر أن تحوي كل الكتب والأبحاث والمواد السمعية والبصرية التي توثق لحياة الرئيس عبدالناصر وتاريخ مصر في هذه الحقبة. وبين المقتنيات التي من المزمع عرضها، أجهزة عرض سينمائية وساعات مكتب، و«فازات» وتمثال للزعيم الراحل صنعه أحد أهم المثالين المصريين الفنان جمال السجيني، وبين المعروضات أطقم الشاي والقهوة الخاصة بالرئيس وصوانٍ وأطباق فضية وعلب صدف وقطيفة، إضافة إلى الأوسمة والنياشين والهدايا التي تسلمها طوال فترة حكمه من دول عدة. وتضم تلك الهدايا قطعة من كسوة الكعبة وخنجراً ذهباً مرصعاً بالحجارة الكريمة كان هدية من الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية. ومن بين المعروضات أيضاً كاميرا تصوير كان يستخدمها عبدالناصر بنفسه في المناسبات الأسرية. وتعرض أيضاً نماذج من ملابسه ونظارته وعلبة سجائره الفضية، ومجموعة كبيرة من كتبه وأوراقه الخاصة التي كتبها بخط يده، والتي تضم ملاحظات وتوجيهات كثيرة كان يدوّنها خلال حضوره المؤتمرات العربية والأفريقية وقمم دول عدم الانحياز وجلسات مجلس الوزراء. وتضم الأوراق كذلك خطباً وكلمات كتبها بين عامي 1935 و1970، ومن بينها مسودة لخطبة قالها في إحدى التظاهرات وهو في السابعة عشرة من عمره، عندما فُصل من مدرسة النهضة في القاهرة بسبب نشاطه السياسي. ومن بين الأوراق كذلك بعض قرارات لمجلس قيادة الثورة متعلقة بمصادرة أموال أسرة محمد علي، وقرار رئاسي برد أملاك أسرة الزعيم أحمد عرابي لورثته. حتى لو كان محددًا للمشرع عامين ونصف العام ولم يمر سوى عام ونصف فقط، تحويل بيت إلى متحف في هذه المدة أمر مبالغ فيه، وننتظر الآن انتهاء الشركة المنفذة في أكتوبر المقبل من أعمال تجميل مبنى لا يرجع إلى عصر الدولة الفرعونية، حتى يبدأ القطاع في المراحل الأخرى ثم التجهيز لافتتاحه وفتح أبوابه أمام الجمهور.. لذا أتمنى لكم طويل العمر.