فشل الدول الأفريقية في التصدي بشكل كاف لمشكلاتهم العميقة كخلافاتهم العرقية والإثنية والثقافية والدينية والاقتصادية، جعل دولهم أرضاً خصبة للجماعات الإرهابية، حتى أصبحت أكبر تهديد يواجه أفريقيا منذ انهيار الاستعمار في منتصف القرن العشرين، فضلا عن انعكسات انتشار هذه التنظيمات وتهديدها للاستقرار السياسي. وانتشرت هذه الجماعات الإرهابية في القارة السمراء على النحو التالي: تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بمنطقة أفريقيا الشمالية والغربية، وتشمل المغرب، تونس، الجزائر، ليبيا وموريتانيا، بجانب جماعة "بوكو حرام" في شمال شرق نيجيريا، وحركة "الشباب" بالصومال، و"الملثمين" في الجزائر، وأولئك الذين يعرفون ب "أنصار الدين" في مالي، وكذلك "سيليكا" و"آنتي بالاكا" في جمهورية أفريقيا الوسطى، وأيضا "أنصار الشريعة" في تونس. وعلى مدى 800 عام ماضية، ظل هذا هو مفهوم الصراع الحالي والذي أصبح معركة مستمرة لنقاء العقيدة الإسلامية والتي لا تحمل خيار الهزيمة، حيث يحتاج فهم الصراع مع الجماعات الإرهابية في أفريقيا معالجة ما لا يقل عن 5 عناصر تتمثل في الصراعات الأيديولوجية واتفاقية سايكس بيكو التي رسخت الهيمنة الأوروبية في شبه الجزيرة العربية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، بالإضافة إلى حماية الغرب للكيان المنشأ حديثا في عام 1948 (إسرائيل)، أدى إلى عودة ظهور حركات التطرف في السياسة العالمية، ونتيجة تصاعد آثار الحرب الباردة، أدى نضال الاستقلال الأفريقي إلى ظهور حركات انقلاب، وانقلابات مضادة وتوترات عميقة الجذور في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، والتي سرعان ما تحولت إلى حروب موارد وحرمان اقتصادي، وتلاعب بالدين والثقافة، والتي لا تزال حتى اليوم. العنصر الثاني المتمثل في المجموعات المهيمنة وهو عبارة عن مفاهيم لها جذورها في القانون الاستعماري، مما أدى إلى السيطرة السياسية من قبل مجموعة مهيمنة، وهذه الجريمة يقول عنها الباحث الأوغندي ذو الشهرة العالمية محمود ممداني إن تسييس الثقافة والدين أدى إلى استبعاد مجموعات بعينها من الأقليات حتى فشلت الدول الأفريقية فى التصدي بشكل كاف لخلافاتهم العرقية والإثنية والثقافية والدينية والاقتصادية وأصبحت أرض خصبة لتلك الجماعات الإرهابية، كما أن الفجوة بين المبادئ الأساسية للديمقراطية والمشاركة السياسية، وعدم تنفيذها، ساهم في المواجهة بين الحكومة والجماعات العرقية والثقافية والدينية الفردية. أما التبعية الاقتصادية فقد أنتجت الرأسمالية المتأصلة في الاقتصاد العالمي والاقتصادات الأفريقية القائمة على التبعية ووضعت أقلية من القاعدة الشعبية في الطبقات المتوسطة، أما الطبقة العليا فأصبح لها وضع خاص حتى أصبحت هناك فجوة اقتصادية من النسيج الإ فريقي هدد التعايش بين تلك الطبقات بل وجعلها في خطر، وهذا ساهم إلى حد كبير في ظهور المعركة بين فقراء أفريقيا، الذين يعتبرون عددا متزايدا من الشباب المهمشين والعاطلين عن العمل وبين طبقاتها العليا. يتمثل العنصر الرابع في مزيج من الدين والفقر، حيث يعمل الفقر في القارة السمراء عبر علاقة تكافلية مع الدين، وهو القوة المحفزة بين المجتمعات الفقيرة، فالكهنة ورجال الدين والحاخامات وغيرهم من الزعماء الدينيين كثيرا ما ترتبط وجهات نظرهم مع وجهات النظر المتطرفة والتي يحاولون دائماً من خلالها ربط الغضب الإلهي وصالح الدين، وفي الوقت نفسه هناك الزعماء الدينيين الملهمين والمؤمنين من المسلمين والمسيحيين والذين يؤكدون سيادة الله على قادة الدولة والمتمردين، لكن تركيزهم على الهيمنة الإلهية ووجوب قبضة الدين على الدولة تعمل على رفع النزاع السياسي وتشجع السلوك العنيف وانخراط العناصر في مذابح وخطف واغتصاب للنساء والفتيات، والزواج القسري وقتل ما يسمى بالكفار والمرتدين. العنصر الخامس يتمثل في نزع الإنسانية وقد نتج عن مدى هذا العنف، مدفوعا بإحساس من التفرد، والتفوق الأخلاقي، والتفرد بالتدين والخضوع الأعمى للسلطة في شيطنة الاخلاق ونزع الإنسانية. ونظرا لأن البلدان الإفريقية تفشل جنبا إلى جنب مع الوكالات الإقليمية والعالمية في تبني هذه المسؤولية، فمن المرجح أن تظل غارقة في حرب أيديولوجية لن تعرف أي دولة أفريقية بسببها التقدم الاقتصادي أو الاستقرار الأمني والسياسي، لاسيما وأن هذه الصراعات تتنامى بشكل سريع وتتعقد الأزمات بسبب تدخل أطراف خارجية في أزمات القارة الإفريقية، فضلا عن انخفاض قدرات هذه الدول على تخطي مشكلاتها.