كانت أول فتاة تدرس الإخراج بمعهد السينما وثقت مأساة تل الزعتر واحتفت بشادي عبد السلام وكاريوكا رحلت أمس المخرجة نبيهه لطفي، السينمائية العاشقة، التي لم يقهرها شيء عن متابعة شغفها بالسينما، وظلت حتى لحظاتها الأخيرة، من أنشط متابعي النشاط السينمائي وتجارب الشباب. هي صاحبة الحضور الفني والإنساني الذي ترك بصماته في أجيال السينمائيين المصريين، كرست حياتها للسينما التسجيلية مع إطلالات نادرة حانية كممثلة في أفلام شديدة الخصوصية منها «عين شمس» لإبراهيم البطوط، «رسائل البحر» لداوود عبد السيد، مسلسل «الخواجة عبد القادر» لشادي الفخراني. نبيهة لطفي، رحيق عصر مضي وجيل عاش روح القومية العربية، وتفتح وعيه في خضم صعود المد القومي في خمسينات القرن الماضي. لبنانية الأصل، مصرية الحياة، عربية الانتماء، فلسطينية الهوى، ولدت 28 يناير 1937 في صيدا بلبنان لأب محام ينتمي لحزب النداء القومي العروبي. تضفرت مسيرة حياتها باختياراتها السياسية التي أثرت على مسارها التعليمي واختيارات حياتها، إذ التحقت عام 1953 بالجامعة الأميركية في بيروت لتدرس العلوم السياسية، وفي خضم الصراع السياسي حول حلف بغداد شاركت في المظاهرات المضادة له، ففصلتها الجامعة مع عدد من الطلبة باعتبارهم معاديين لأمريكا. وكانت مصر حاضنة العروبة، فقرر جمال عبد الناصر استضافة الطلبة الذين فصلوا، واستقدامهم للدراسة بجامعات مصر. فبراير 1955 جاءت نبيهه لطفي إلى القاهرة، واستقرت بها، لتبدأ مرحلة جديدة في حياة ابنة ال18، درست العربية بآداب القاهرة وتزوجت من مصري، وهو الدكتور علي مختار، ثم التحقت بالمعهد العالي للسينما عام 1960 قسم الإخراج، وتخرجت مع الدفعة الأولي للمعهد في 1964 لتكون أول فتاة تدرس بهذا القسم. عملت كمساعد مخرج في أفلام روائية طويلة، منهم فطين عبد الوهاب، سعد عرفة، خليل شوقي، ثم كرست جهودها للسينما التسجيلية التي وجدت أن مناخ العمل بها، والقضايا التي تتعرض لها أكثر اتساقا مع أفكارها وانشغالاتها بقضايا العدل وبهموم الناس، فأخرجت أعمالا منها (لعب عيال) و(صلاة من وحي مصر العتيقة)، وفي عام 1969 أخرجت (ألفية القاهرة) ضمن مشروع توثيقي بمناسبة مرور ألف عام على تأسيس القاهرة، ومن أفلامها «عشش الترجمان، دير القديسة كاترين، الكونسرفتوار، عروستي، حسن والعصفور. «تل الزعتر .. لأن الجذور لا تموت» حلقة هامة في مسيرة نبيهه الفنية، بدأت صيف 1975 بتصوير مشروع فيلم عن المرأة العاملة الفلسطينية في أكبر المخيمات في لبنان، تل الزعتر، وسرعان ما أعاقها اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية، فعادت إلى القاهرة، في انتظار توقف القتال للعودة للتصوير، لكنها فوجئت بأن وحشية الحرب طالته ودمرت مخيم تل الزعتر الفلسطيني فقررت أن تصور فيلمًا يحكي ما حدث بالمخيم، من خلال شهادات من نجوا من النساء والأطفال في فيلمها «تل الزعتر.. لأن الجذور لا تموت»، 1977، جمعت فيه شهادات الناجين من تل الزعتر واللاجئين إلى الدمور، والمادة التي صورتها قبل حصار المخيم وأعادت من خلالها بناء قصة تل الزعتر، بجزأين: الأول قبل المجزرة، وهو الذي ينبض بالحياة، والثاني يخيم عليه الموت. وفي القاهرة قدمت ثلاثة أفلام هامة، منها «شارع محمد علي»، عن التغيرات التي طالت الشارع الأشهر للفنانين والراقصات في مصر، بعد أن زالت عنه هذه الصفة وتغير نشاطه. قدمته برؤية جيل عاصر الشارع في مجده وشهد تحولاته، وقدمت فيلمان عن أيقونتان من أيقونات الفن المصري، أستاذها العبقري شادي عبد السلام، والذي عملت تحت إشرافه في مركز الفيلم التجريبي وقبله احتفت بتحية كاريوكا. شاركت نبيهة في تأسيس جماعة السينما الجديدة عام 1968، ، وساهمت في تأسيس جمعية السينمائيات عام 1990، وانتخبت عضوًا بمجلس إدارة التسجيليين العرب.منحها الرئيس اللبناني إميل لحود «وسام الأرز الوطني من رتبة فارس» 2006، وفي القاهرة كرمها المركز الكاثوليكي للسينما في دورته ال63، فبراير الماضي، وبعده كرمتها جمعية نقاد السينما. ونالت جائزة أفضل ممثّلة من مهرجان الفيلم العربى عن دورها فى الفيلم الروائي القصير، «زيارة يومية» للمخرج الشاب ماجد نادر.