عند سماع كلمة «بورما» أو «ميانمار» في الفترة الأخيرة، لا يتبادر إلى الزهن سوى إشارات بالاضطهاد والتميز العنصري والتهجير والإبادة والمجازر ضد المسلمين، فعلى الرغم من عدم اطلاع الكثيرين من مجتمعاتنا على معلومات كثيرة عن هذا البلد، إلا أن اسم هذه الدولة ارتبط في أغلب الأوقات بهذه العبارات. 1- ما هي دولة «بورما»؟ بورما التي تعرف أيضًا باسم ميانمار، هي إحدى دول جنوب شرق آسيا، انفصلت عن حكومة الهند البريطانية في أبريل 1937، لتكون مستعمرة بريطانية منفصلة، حيث كانت تابعة لولايات الهند البريطانية تتألف من اتحاد عدة ولايات هي «بورما وكارن وكابا وشان وكاشين وشن». في يوليو 1945، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء أعادت بريطانيا ضمها كمستعمرة، حتى أن الصراع الداخلي بين البورميين أنفسهم كان ينقسم بين موال لبريطانيا وموال لليابان ومعارض لكلا التدخلين، وقد نالت استقلالها مؤخرا عام 1948م وانفصلت عن الاستعمار البريطاني. ويختلف سكان بورما من حيث التركيب العرقي واللغوي بسبب تعدد العناصر المكونة للدولة، ويتحدث أغلب سكانها اللغة البورمية ويطلق على هؤلاء (البورمان) وباقي السكان يتحدثون لغات متعددة، ومن بين الجماعات المتعددة جماعات الأركان، ويعيشون في القسم الجنوبي من مرتفعات، أركان بوما وجماعات الكاشين وينتشر الإسلام بين هذه الجماعات. 2- متى دخل الإسلام في هذا البلد؟ يعود دخول الإسلام في بورما عن طريق اقليم "اراكان" بواسطه التجار العرب في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، يقول المؤرخ الشهير "أر. بي. اسمارت" صاحب كتاب" Burma Gazetteer": كان للتجار العرب صلة وثيقة مع أهل أراكان منذ قبل 788م، وكانوا قاموا في ذاك الوقت بتعريف الإسلام أمامهم بأسرع ما يمكن، وكانت ميناء جزيرة رحمبري في جنوب أراكان اسما مألوفا لدى البحارة العرب في الصدر الأول. أول ظهور للإضطهاد الديني وقعت في عهد الملك باينوانغ 1550-1589 م، فبعد أن استولى على باغو في 1559 حظر ممارسة الذبح الحلال للمسلمين، وسبب ذلك هو التعصب الديني، وأجبر بعض الرعايا للاستماع إلى الخطب والمواعظ البوذية مما يجبرهم لتغيير دينهم بالقوة، ومنع أيضا عيد الأضحى وذبح الأضاحي من الماشية، وقد منع أيضا الملك الاينجبايا الأكل الحلال في القرن الثامن عشر. وفي عهد الملك بوداوبايا (1782-1819) قبض على أربعة أشهر أئمة ميانمار المسلمين في مييدو وقتلهم في العاصمة أفا بعد رفضهم أكل لحم الخنزير، ووفقا لأقوال مسلمي مييدو وبورما فقد مرت على البلاد سبعة أيام مظلمة بعد إعدام الأئمة مما أجبر الملك على الإعتذار واصدر مرسوما باعتبارهم أولياء صالحين. 3- كيف عاش المسلمون في ظل الحكم البريطاني؟ ساهمت الضغوط الاقتصادية وكراهية الأجانب إلى زيادة المشاعر المناهضة للهنود ومن ثم المسلمين، ففي أعقاب أعمال شغب مناهضة للهنود سنة 1930، اندلعت توترات عنصرية بين العرقية البورمية وبين المهاجرين الهنود والسلطة البريطانية، وتحولت المشاعر البورمية ضد هؤلاء بأنهم أجانب وشملهم المسلمون من كافة الأعراق، وبعدها في سنة 1938 اندلعت اعمال شغب ضد المسلمين متأثرة بأقوال الصحف. ساءت أحوال المسلمون بعد انقلاب الجنرال ني وين عام 1962، فقد طردوا من الجيش وتعرضت تلك الأقلية للتهميش والإقصاء، ووصفت الأغلبية البوذية المسلمين بأنهم "قاتلي بقر" حيث هي ذبائحهم من الماشية في عيد الأضحى، واستخدموا ضدهم كلمة كالا وهي كلمة عنصرية مهينة تعني الأسود، ووزعت اتهامات بالإرهاب ضد المنظمات الإسلامية مثل اتحاد مسلمي بورما. 4- لماذا سمي مسلمي بورما ب«الروهينجا»؟ عرف مسلمي البورما في الفترات الأخيرة باسم روهينجا، وهناك خلاف بين المؤرخين حول أصل هذه الكلمة فبينما يرجعها البعض لتحريف كلمة الرحمة، والتي نطق بها رحالة عرب تحطمت سفينتهم على الشاطئ وأمر ملك البلاد آنذاك بقتلهم، فصاحوا «الرحمة . . الرحمة» فسماهم الناس «راهام» والتي تم تحريفها لكلمة «الروهينجا» الحالية، يرجعها آخرون إلى أن أسلاف الروهينجا هم من الروها في أفغانستان، في المقابل يقول البعض إن أصل الكلمة هو المملكة الأركانية القديمة "مروهاونج". بينما لا يعترفن المؤرخين البورميين بقدم الكلمة، حيث يقولون إنها ظهرت في 1950، إلا أن ذلك يتناقض مع ورود الكلمة في تقرير نشره البريطاني فرانسيس بوكانان هاملتون أواخر القرن الثامن عشر عن "المفردات المقارنة لبعض اللغات الناطقة في مملكة بورما". 5- كيف تعيش «الروهينجا» الآن ؟ استمرت معاناة مسلمي «الروهينجا» حتى الأعوام الأخيرة، فبعد محاولات بنجلاديش لإعادتهم إلى بورما، تم سن قانون الجنسية لسنة 1982 والذي لم يعترف بالروهينجا كأحد القوميات المعترف بها في بورما، ومن ثم فإنه يتم التعامل معهم باعتبارهم بلا جنسية، بل واتهامهم بأنهم مهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش، الأمر الذي يسلبهم كافة حقوقهم ويجعلهم عرضة لكثير من الانتهاكات. تكررت الهجمة في 1991، حيث تم تشريد حوالي ربع مليون مسلم من الروهينجا نحو بنجلاديش، التي كررت أيضًا معاملتاهم في نهاية السبعينات، الأمر الذي أجبر 50 ألفًا للرجوع مرة أخرى لبورما بين عامي 1922 و1993، في عام 1994 تكررت نفس عملية التهجير القسري، حيث تم تهجير قرابة 110 ألف مسلم من الكارِّين وغيرهم إلى تايلاند. في عام 1997، سرت شائعة أن رجلًا مسلمًا اغتصب فتاة بوذية، الأمر الذي أقام موجة من أعمال الشغب ضد المسلمين، فقد قاد كهنة بوذيون جماعات شغب تقدر بحاولي 1500 فرد ضد المساجد في البداية ثم المحلات وممتلكات المسلمين، وخربوا فيها وحرقوا كتبًا دينية، وقد أدت الأحداث لمقتل حوالي 3 أشخاص واعتقال 100 كاهن، بالرغم من أنه قد تم إثبات أن الشائعة لم تكن صحيحة، فإنه يُعتقد أن الحكومة قد قامت بهذا الأمر من أجل صرف النظر عن تحطم تمثال أثري لبوذا يعتقد أن الحكومة قد كسرته كي تبحث عن جوهرة ثمينة بداخله. وبحسب التقديرات الرسمية لسنة 2012 يوجد 800,000 روهينجي يقدر عددهم حاليًا بنحو 1.1 مليون شخص يعيشون في ظل ظروف تمييز عنصري، حيث وقعت اشتباكات عنيفة مع البوذيين من عرق الراخين في عام 2012 مما أسفر عن تشريد 140 ألفا معظمهم من الروهينجا، ليفر العديد منهم ليستقر بهم الحال كلاجئين في مخيمات بنغلاديش المجاورة وعدة مناطق داخل تايلاند على الحدود مع بورما. ومازلت قضية الروهنجيا التي أثارت غضب العالم في أغلب الأوقات، عالقة دون حل، وتتدهور يومًا عن الآخر؛ حيث تعاني الأقلية المسلمة، وفي الأيام القليلة الماضية، عثرت السلطات الماليزية، على بقايا جثامين تم تعذيبها في مخيمات المهربين المهجورة، إضافة إلى اكتشاف أقفاص خشبية وسلاسل معدنية بالقرب من المقابر، ووفقا لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، التي أوضحت أن مخيمات الغابة التي استخدمها تجار البشر تحتوي على 139 مقبرة في 28 موقعًا منفصلًا، فضلًا عن أسلاك شائكة تستخدم لسجن مسلمي الروهينجا من من بورما والمهاجرين من بنجلاديش. وفي عام 2014 وضعت حكومة بورما قانونًا غريبًا يجعل أبناء أقلية الروهينجا أمام خيار صعب: إما قبول إعادة التصنيف العرقي مع احتمال منحهم الجنسية أو الزج بهم في السجون، وتقترح الخطة التي أثارت جدلًا واسعًا في هذه الفترة أن تقيم سلطات الراخين "مخيمات مؤقتة بالأعداد المطلوبة لمن يرفضون تسجيل أسمائهم أو من لا يملكون الوثائق الملائمة، وفقد الكثيرون من الروهينجا وثائقهم في أعمال العنف أو رفضوا في السابق تسجيلهم على أنهم من البنغال، فيما التزمت الحكومة بموجب الخطة الجديدة مؤكدة أن تصنيف الروهينجيا يوحي بأنهم مهاجرون غير شرعيين من دولة مجاورة. 6- كيف ينظر العالم لهذه المأساة؟ يستمر الصمت العالمي تجاه قضية المسلمين في بورما، وإن كانت منظمة التعاون الإسلامي بذلت جهودا في هذا الصدد، ومنها مؤخرا إنشاء المركز العالمي للروهينجا بهدف نشر الوعي إعلاميا بقضيتهم والمساهمة في تسييسها، إلا أن الصمت العالمي بشكل عام تجاه هذه القضية يثير عددا من التساؤلات حول فحوى المصالح السياسية الكامنة خلف هذا الصمت، وهو ما يدفع بالتالي إلى التساؤل حول كيفية التعامل مع هذه القضية من منظور مختلف. و أدان كذلك الأزهر بشدة ما يتعرض له مسلمي ميانمار، من اضطهاد وتهجير، معبرا عن القلق الذي تبثه وسائل الإعلام حول أزمة مسلمي الروهينجا الفارين إلى عرض البحر من الاضطهاد الذي يتعرضون له في وطنهم "ميانمار"، بعدما رفضت دول الجوار استقبالهم.