منذ تولي حكومة إبراهيم محلب في فترة تسيير الأعمال بالمرحلة الانتقالية للبلاد عقب ثورة 30 يونيو في فبراير لعام 2014 في عهد الرئيس الانتقالي المستشار عدلي منصور وحتى عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، ومازال مطلب العدالة الاجتماعية على رأس المطالب التي يفترض العمل على تحقيقها، وهو ما أكدته الوزارة منذ الدقائق الأولى لها، وجاء ذلك في تصريحاتها الإعلامية مرارًا وتكرارًا عن المجهودات التي تبذلها من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية كأحد مطالب ثورة يناير، إلَّا أنه حتى الآن لم تحدث أي تغيرات حقيقية ملموسة تدل على بداية تحقيق هذا المطلب، أو على الأقل محاولة تطبيق هذا الشعار على نفسها. على الرغم من أن المهندس إبراهيم محلب رفع شعار التقشف إلَّا أنه تفوق في عدد المستشارين الذين اختارهم ليتولوا بعض الأمور، منها الواضح ومنها الغامض حتى الآن، فقد خصص له ما يقرب من 11 مستشارًا مع تنصيبه كرئيس للوزراء في فبراير العام الماضي، وقسم المستشارين على النحو التالي: للأمن المعلومات والإشراف على مكتب رئيس الوزراء وتكنولوجيا المعلومات والمتحدث الرسمي، والمستشار الإعلامي والتخطيط والتنمية والمستشار القانوني، على الرغم من وجود رئيس هيئة مستشارين لرئاسة الوزراء و4 آخرين يحضرون لبعض الوقت غير واضح تخصصاتهم الاستشارية، ويحصل هؤلاء المستشارون على آلاف الجنيهات وسيارة وسائق من مجلس الوزراء، عدا مستشار واحد فقط لا يتقاضى راتبًا من مجلس الوزراء وهو أشرف عز الدين. الأدنى والأقصى بين التمني والتحدي وقد صرح أيضًا المهندس إبراهيم محلب بأن الحكومة تعمل على قدم وساق لتطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور، على غرار حلم العمال والطبقة البسيطة وأهداف يناير، إلَّا أنه حتى الآن على أرض الواقع أصبح تنفيذ ما تداول كتصريحات صحفية في مهب الريح. وفي أواخر عام 2014 أكد مجدي بدوي، عضو المجلس القومي للأجور، عن تأجيل تطبيق الحد الأدنى للأجور على عمال القطاع الحكومي إلى العام المقبل، بعد إعداد الموازنة الجديدة لإدراجه ضمن بنودها، مشيرًا إلى أن المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، أصدر قرارًا غير معلن بإرجاء تطبيق الحد الأدنى للأجور إلى العام المالي المقبل؛ لأن بنود الموازنة العامة للدولة لا تسمح بذلك. كما أوصى هيئة مفوضي الدولة، بإلزام رئيس الوزراء بوضع حد أدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص التي لم تتحقق بعد، كما أكدت وزيرة التضامن غادة والي في الأيام القلية الماضية أن هناك دراسة لتطبيق الحد الأدنى للمعاشات؛ لأنه حق دستوري سيتم تطبيقه في الأيام المقبلة. وعلى الجانب الآخر وفي محاولة بائسة، أصدر المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، قرارًا بتطبيق قانون الحد الأقصى للأجور على العاملين بالبنوك، إلَّا أن العاملين وجهوا قبلتهم للقضاء من أجل تجميد القرار، حتى استجاب القضاء الإداري وألغى قرار رئيس مجلس الوزراء بتطبيق قانون الحد الأقصى للأجور على العاملين بالبنوك. واستبق قرار المحكمة الخاص بالبنوك قرار آخر في شهر مارس الماضي، حيث انتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، إلى عدم خضوع أعضاء السلطة القضائية والنيابة العامة لتطبيق القانون 63 لسنة 2014 بشأن الحد الأقصى لأجور العاملين بالدولة. إلغاء دعم الفقراء في تصريحات صحفية سابقة أكد الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة، أن الحكومة اختارت رفع الدعم عن الكهرباء خلال 5 سنوات بدلًا من 3 سنوات لتخفيف العبء عن المواطنين، كما أعلنت أيضًا عن إلغاء الدعم عن مواد الطاقة خلال ال5 سنوات المقبلة أيضًا. وبالفعل بدأت الحكومة في الشهور القليلة الماضية تخفيض الدعم، وارتفعت أسعار مواد الوقود والكهرباء، مما تسبب حالة من الغليان بالشارع المصري؛ نتيجة لارتفاع أسعار المواد الغذائية وأزمة الحصول على أنابيب البوتاجاز، وهذا ما شهدته عدد من محافظات مصر في أزمة الحصول على أنابيب البوتاجاز، في مشاهد مأساوية لم تقتصر على طول الانتظار وسط الضوضاء والزحام والدراجات و"التكاتك"، وإنما امتدت إلى خوض معارك ومشاحنات تشهد سقوط مصابين في سبيل الفوز بأنبوبة أو أكثر بأي سعر، وجاء هذا بعد قرار إلغاء جزء من الدعم على أسعار الوقود وارتفاع الأسعار. الضرائب التصاعدية في جميع الدول تتصاعد الشرائح الضريبية كلما زاد دخل المواطن، لكن في مصر عبر العقود الماضية كان النظام الضريبي يقوم على الضريبة التصاعدية على الدخل بالنسبة للأفراد تصل إلى 42% والشركات 38% حتى عام 2005، لكن تم إلغاؤها وفقًا لرجال السياسات والسلطة والمال في حكومة نظيف، وأصبح الحد الأقصى للضريبة في ذلك الوقت 20% فقط، وعقب ثورة يناير زادت تلك النسبة على استحياء إلى 25% فقط لتساوى بين المشروعات الصغيرة والمشروعات الاحتكارية الكبيرة. وفي أيام قليلة ماضية قبل المؤتمر الاقتصادي الذي أقيم بشرم الشيخ، أكدت الحكومة برئاسة المهندس إبراهيم محلب، أن قيمة الضريبة ستصبح 22.5% ويتم تثبيتها على هذه النسبة لمدة عشر سنوات. وعلى الجانب الآخر وعقب انتهاء المؤتمر الاقتصادي، أصدر وزير المالية قرارًا بفرض ضرائب على البورصة، مما أثار حفيظة رجال الأعمال وسماسرة التلاعب بالأسهم، فيما رأى عدد من المختصين أن هذا القرار يعتبر أولى خطوات تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع العبء عن المواطن البسيط، ووصفوه بأنه تأخر كثيرًا، إلَّا أن الحكومة عقب صدور القرار بأيام قليلة، أعلنت إلغاء قرار ضرائب البورصة التي كانت من المتوقع أن توفر للدولة ما يرقب من 5 مليارات جنيه وفقًا للتصريحات الوزارية. معاش "التضامن" خطوة نحو العدالة الاجتماعية وتعليقًا على ذلك قال عبد الغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي: ما حدث أن هناك مشهدًا وحيدًا من مشاهد تطبيق العدالة الاجتماعية قامت به الحكومة الحالية، على الرغم من أن هذا الشعار رفعته حكومة المهندس إبراهيم محلب منذ توليه رئاسة الوزراء، وهو إقرار وزارة التضامن الاجتماعي لمعاش تحت عنوان "التضامن الكفاية" للأسر الأشد فقرًا في جنوب الصعيد لسد احتياجاتهم العادية، فيما قامت بربط هذا المعاش بالمراحل الدراسية لأبنائهم. وأضاف شكر أن كل ما عدا ذلك من قرارات لم يكن في صالح المواطنين البسطاء، والظاهر لنا أن الحكومة لم تطبق ما قالته عن العدالة الاجتماعية، ولم تطبق حتى مواد الدستور بزيادة موازنة التعليم والصحي في محاولة منها للتنمية، وتوفير سبل عيش كريمة للمواطنين الفقراء والأشد فقرًا ، مؤكدًا أن هناك توزيعًا غير عادل للدخل القومي، فالملاك يحصلون على ما يقرب من 70% أو أكثر من الدخل، فيما يحصل أصحاب الأجر على أقل من 30% من قيمة الدخل وهذه ليست عدالة بالمرة. وأضافت كريمة الحفناوي، القيادية بحركة كفاية، أن هذه الحكومة انحازت للأغنياء المحتكرين على حساب الفقراء المعدومين؛ وذلك لأنها تستند إلى نفس سياسات مبارك التي ثار الشعب ضدها في 25 يناير لعام 2011، وهناك عدد من المشاهد التي تؤكد أن هذه الحكومة تنحاز للأغنياء على حساب الفقراء، فالعدالة تعني عدالة توزيع وتنمية بشكل جغرافي على مستوى محافظات مصر كلها وخصوصًا تنمية المناطق الأشد فقرًا الموجودة على الحدود والصعيد. الحكومة "تطبطب" على الأغنياء وتنهش في الفقراء وتابعت الحفناوي: فالتنمية تعني تضيق الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتحسين الخدمات للفقراء وهذا لم يحدث، والعدالة الاجتماعية تعني مزيدًا من الخدمات للفقراء، ولم نشهد ذلك على الإطلاق، فالموازنة العامة الماضية لم تحتو على الموازنة الخاصة بالتعليم والصحة التي أقرها الدستور، وبالتالي ظل حال المستشفيات والمدارس الحكومية بنفس المستوى لما كانت عليه، بجانب أن الحكومة كانت أعلنت من قبل فرض ضرائب على البورصة والتي كانت ستوفر للدولة ما يقرب من 5 مليارات جنيه وفقًا لتصريحاتهم، ومن ثم تراجعت عن القرار بسبب ضغط رجال الأعمال الذين يربحون وهم جالسون في منازلهم دون إنتاج أو تعب، في المقابل الحكومة لم تنفذ قرار المحكمة بعودة الشركات التي كان قد تمت خصخصتها من قبل، على الرغم من أنها كانت ستساعد على الإنتاج. وأشارت إلى أن الضرائب التصاعدية التي تفرض على رجال الأعمال في عدد من الدول تصل إلى ما يقرب من 60% ولكن الحكومة المصرية قررت أن تتوقف عند 22.5% فقط حتى عشر سنوات، وبالتالي من الواضح جدًّا أن الحكومة "بتطبطب" على الأغنياء وتنهش في الفقراء. من جانبه أكد حمدي الجمل، رئيس القسم الاقتصادي الأهرام العربي، أن هناك جهودًا مبذولة بالفعل من قِبَل الحكومة لتحقيق العدالة الاجتماعية، لكنها للأسف لم تجدِ شيئًا حقيقيًّا حتى الآن، وعلى سبيل المثال عودة منافسة الدولة للقطاع الخاص في السلع الغذائية متمثلة في "التموين"، لكن في الحقيقة أن مفهوم العدالة الاجتماعية أشمل وأوسع من ذلك، وحتى يتسنى لنا تحقيقه فلابد من وضع رؤية واضحة للاقتصاد المصري ينحاز فيها للعدالة الاجتماعية وليس للسوق الحرة كما يحدث الآن، بالإضافة إلى نص صريح ومعلن في الدستور، وهو أن الاقتصاد المصري يهدف إلى تطبيق العدالة الاجتماعية.