فرق التوقيت بيني وبينك مش كبير للدرجة دي أنصحك تتقلي هدومك كويس وانتي خارجة من جوايا وياريت تسيبي الباب موارب الناس بره برد قوي وأنا محتاج ترجعي على طول حين قرأت هذه الأبيات على ظهر ديوان (الأسد الحلو) لميسرة صلاح الدين تذكرت على الفور القصة التوراتية الشهيرة التي صارت جزءًا من وعينا الجمعي، حول علاقة المرأة بالرجل؛ وهي قصة خلق حواء من ضلع آدم، لتكون أنيسه وجليسه، وتتمادى القصة التوراتية في وصف الضلع بصفة الاعوجاج ، ثم يأتي المورث الجمعي ليؤصّل لمثل هذه الفكرة لتظل لصيقة بأفكارنا وبخطابنا الراسم للأنثى في صفات شتى ينطوى أغلبها على موتيف رئيس وهو الأصل (الذكر) في مقابل الفرع (الأنثى). إذن ، يبدو من عتبات الديوان الأولية أننا أمام محاولة إعادة رسم للصورة الأنثوية من جديد، وذلك بدءًا من صورة الغلاف، والتي تصوّر لنا الأسد رمز القوة والمُلك، ولكنه يمتلك أهدابا أنثوية، فالصورة ليست صورة لبؤة، بل أسدًا ذكرًا لكنه أسد متلبّس بروح أنثوية غامرة، ولا ننسى التاج الأصفر اللامع الذي يتوّج رأسه، من يقصد ميسره صلاح بالأسد الحلو؟ في البداية يهدي الشاعر ديوانه إلى (بنات مصر الجدعان) … ثم يقدّم لنا عتبة جديدة من عتبات ديوانه فيقول: (مكنش عايز يروّض الحيوان البري … كان عايز يكسب صفاته). تطالعنا من جديد، بل وتتجدّد في كل قصيدة الثنائية الأزلية؛ الذكر والأنثى، أهو الاحتراب أم الاندماج، أهو التواصل والتكامل أم السعي لاحتلال مكان الآخر واكتساب صفاته. وهنا لا يحاول ميسرة كما فعل غيره من الشعراء والكتاب احتلال موقع الأنثى من سرد تفاصيلها شعرا، بل نراه يحكيها شعرا من موقعه هو، بوصفه رجلًا، لكنه رجل يحاول أن يتزحزح عن عرش السادة الذكورية ليتبنى نظرية تكامل الأنوثة والذكورة، وأفكار (الجندر) التي تحاول أن تنهي حالة العراك الدائم بين القطبين، وهنا يتكشّف دور التناص الذي استعان به في عتبته هذه، مع مسرحية شكسبير الشهيرة (ترويض النمرة) ليعلن وهو الرجل أنّ حقيقة ترويض المتمردات لم يكنّ لكونهن الطامحات في عرش الذكر وصفاته ، بل كان من اقتنع بدور المروّض هو من حسد النمرة على شجاعتها ، فأراد هو احتلال دور المروّض . يلعب سرد مقطوعات من حياة بعض (النمرات ) أو الأنثيات الأسود الحلوات دورا رئيسا في الديوان ، وهنا يلح الشاعر على كسر الحواجز بين الأنوثة ودور الجسد من حيث الإنجاب أو حتى الرغبة الجنسية ، فالأنوثة تخرج هنا عن معيار المنفعة الذكورية من الجسد ، والجمال والرغبة الأنثوية لا تتحدد بسن أو بحالة بيولوجية ما ففي قصيدته (سن اليأس) يقول: "بدأت كل سراير البيت تتحرش بيها والمرايات تراودها ليلاتي والدواليب عمالة تقيس في حاجات متشاله عشانها في اكياس حمرا بس مقاس الحلم معدش مناسب يدخل من راس التنفيذ بعد ما عدت سن اليأس بكام إحساس الإحساس مفهوش تغيير" وفي قصيدته (حجر جهنم) يأتي نوع آخر من أشكال السرد الشعري ؛ إذ يقدّم لنا الديوان ثلاثة نماذج نسوية يرويها بلسان الراوي العليم، ويقدمهن في علاقاتهن مع أجسادهنّ ، وكيف يشكّل الجسد جسرا أو سدا إما مع الذات وإمّا مع المجتمع، أو مع كليهما؛ فإمّا أن يكون هذا الجسد حجرا من أحجار الجنة أو كما يقول المثل الشعبي: (الحجر الداير لابد يوم من لطه). وهنا يقدّم ميسرة نموذج المتحررة التي تقدّم جسدها باسم الحب لكل طالب شهوة: "وما كانش دين الحب غير كدبه وخلاص بتلبي بيها كل نزواتها اللي فايرين نصر من طمث انكسار" ويقدّم نموذج " الوردة الخجولة" التي تننظر الفارس منذ بدء الخليقة لتقدّم له نفسها "أنهارا من العسل واللبن المصفّى" ، كما يقدّم النموذج الثالث للأنثى التي باتت تكره جسدها لأنه لا يعدو بالنسبة لها أكثر من سبب للألم النفسي والبدني من جراء ويلات تحرّش مجتمع يعدّ المرأة جسدًا لا أكثر، لتصير هي في النهاية تلعن هذا الجسد: "مكانتش تملك م الحياة غير جسمها طب ليه بقى أوقات كتيرة بتكرهه !!!" يقدّم ديوان (الأسد الحلو) رؤية لرجل يعيش في مجتمع يزخر بقيم الذكورة، والهرمية الأبوية، وفي ظل هذا المجتمع الذي يدنّس جسد المرأة ويعده أداة للإمتاع والإنجاب فحسب بفعل الموروث الثقافي والمجتمعي، يطل علينا ميسرة صلاح الدين برؤية مختلفة عن التكامل لا التنافر بين الأنوثة والذكورة ، فهو لا يتشدّق بشعارات المساواة كغيره، بل يثور على الموروث في ثوب التناص المتكرر مع التراث الثقافي والمجتمعي والشعبي الذي بات يشكّل الوجدان الجمعي عن المرأة، ليقدّم رؤية جندرية في ثوب الشعر الحكائي عن نماذج من الواقع تمثل كلٌّ منهنّ (الأسد الحلو). ___ *الدكتورة ندى يسري: باحثة وناقدة مصرية