يُحكى أن جندياً نزل فى مركب، وكان به فلاح وزوجته، وهى حامل فى سبعة أشهر، فصدمها الجندى، وأسقط حملها، فأخذ زوجها بتلابيبه وقاده إلى "قراقوش"، فقضى على الجندى أن ياخذ الزوجة، ويطعمها ويكسيها ولا يعيدها إلى زوجها إلا وهى حامل فى سبعة أشهر!!. و"قره قوش" كلمة تركية عثمانلية تعنى "النسر الأسود"، وقيل غير ذلك كانت لقباً لعبد، خصى، مملوك رومى، ولد فى أرمينيا وعمل فى طاعة وتنفيذ إراده وأوامر صلاح الدين الأيوبى بالقاهرة. كانت مكافأة صلاح الدين الأيوبى لقراقوش الذى ساعده فى القضاء على حكم الدولةالفاطمية بالقاهرة، وتثبيت سلطان الدولة الأيوبية، أن ترك له "صلاح" حكم مصر فترة من الوقت "وفوّض أمورها إليه، واعتمد في تدبير أحوالها عليه". وكان الأهم فى عهد قراقوش أن يُذكر، وما قبله، وما بعده لفترة ليست بالبعيدة، أن من عادة المصريين "إذا جاءهم حاكم باغ أو ظالم قاوموه بالنكتة والتريقة". وكانت أغلب حكايا الانتقام والسخرية من قراقوش قد سجلت فى كتاب بديع سلس، يُتسلى به وبقراءته طبعاً فى كل وقت، وقت الرخاء والشدة والجور، كتبه مؤلفه المصرى القبطى الأسعد بن مماتى ووشمه ورشمه باسم " الفاشوش فى أحكام قراقوش" . أراد الأسعد بن مماتى، وهو لقب متخذ من كلمة "المم" لكثرة صدقاته وإطعامه الطعام، أراد "مماتى" بكتابه هذا أن يغتال شخصية القائد الأيوبى بهاء الدين قراقوش مملوك صلاح الدين الأيوبى، واعتمد على إيراد الحكايا البسيطة المضحكة، والتى يسهل حفظها أيضاً وتداولها عبر الأجيال. يقول المقريزي عنه: " إن القاضي أسعد بن المماتى هو أحد أفراد أسرة قبطية كان لها شأن عظيم في مصر، و بخاصة في عصر الفاطميين إذ كانوا أصحاب المراكز الأولى في شؤون الإدارة المختلفة، و قد كان في الوقت نفسه إدارياً حازماً مشهوراً في عصره، وسلك ابن المماتي طريق السياسة و تدخل بأمورها وهنا تقابل مع قراقوش وزير صلاح الدين و احتك به ورأى فيه منافساً خطيراً له. و نحن لا نعرف ما حدث بينهما بالضبط إلا أنه من الراجح أن قراقوش ظل محتفظاً بسلطانه و نفوذه لدى صلاح الدين، وهذا ما يدل على هزيمة القاضى المماتي في الميدان السياسي. لهذا كتب القاضي المماتي كتابه المسمى "الفاشوش" لينتقم من منافسه و ليهزأ به و ليحقر من شأنه و يصغر من تاريخه.. انتهى كلام المقريزى. ويذكر التاريخ الحديث أن من نحس قراقوش وشؤم سيرته، أن سراج منير عندما أراد أن يخوض غمار الإنتاج الفنى بالإضافة إلى التمثيل، اختار قصة تصور حقبة من تاريخ مصر تتحدث وتعالج الفساد والرشوة التي عاشت فيها البلاد، فكان فيلم "حكم قراقوش" عام 1953، والذي تكلف إنتاجه أربعين ألفاً من الجنيهات، بينما إيراداته لم تتجاوز العشرة آلاف، مما اضطر سراج منير أن يرهن الفيلا التي بناها لتكون عش الزوجية مع زوجته الفنانة ميمى شكيب، و كانت الخسارة والصدمة عنيفة أصابته بالذبحة الصدرية وهو في تمام عافيته…. . بقى أن أستكمل لكم بقية قصة الفلاح وزوجته فقيل أنه عندما سمع الفلاح هذا الحكم قال لقراقوش: أيها السيد العظيم، إني أرجع عن شكوتى و أترك أمري إلى الله وعدالته… .