مخرج إسترالي يوثق جدلية ثورة يناير وفناني "الخيامية" على مدار ثلاث سنوات، عاش المخرج الاسترالي كيم بيمش، في شارع الخيامية، مع أصحاب أحد أكثر المهن تميزًا في منظومة الحرف التقليدية المصرية، ليرصد تغيراتها بعد ثورة يناير، وأثرها على حياتهم ومهنتهم، ويخرج لنا بفيلمه التسجيلي الطويل "صُناع الخيام في القاهرة"، 94 دقيقة، إنتاج 2015، والذي عُرض للمرة الأولى بالقاهرة الأسبوع الماضي في مساحة رووم بجاردن سيتي، وبمركز درب 1718 في مصر القديمة، بعد عرضه العالمي الأول في مهرجان بريستيج في جينز دوريال بسويسرا، وحصوله على جائزة بيون شاجول، التي تضمنت حيثيات فوزه بها "لتركيز الفيلم على البعد الإنساني وتطور القيم التي تضفي معنى على مستقبل البشرية". انشغل الفيلم بانعكاسات الثورة على صُناع الخيامية، وركود منتجاتهم مع توقف السياحة، وكفاحهم للحفاظ على مهنتهم، وفي المقابل موقفهم من 25 يناير. يرصد رؤيتين، الأولى لهاني الخيام، الذي صمم لوحة عنها، والثانية لزميله حسام، الذي حصرها في خانة "وقف الحال"، لكنه نزل في موجتها الثانية، 30 يونيو، رفضا للإخوان وثقة في الجيش، وبينهما أطياف في آراء الخيامين، تلمستها كاميرا "كيم" في جدل الأحداث اليومية، ومواقفهم من الانتخابات والاستفتاء، ولم يغب "اعتصام رابعة"، ومن قبله تجربة حكم الإخوان، بحضورهما مع أحد المتعاطفين مع الجماعة، لتنتهي "صُناع الخيام في القاهرة"، بعد انتخاب السيسي رئيساً. خلال بحثه عن الجانب الإنساني للشارع الأشهر بين صُناع الحرف التقليدية، الخيامية، عاش وسط فناني المهنة، في محلاتهم وبيوتهم حتي صار وجوده هو والكاميرا بينهم "عادياً"، غير أنه ركز كاميرته أكثر على اثنين من أصحاب معارض الحرف التقليدية اليدوية وصُناع النسيج بالخارج، هاني الخيام في فرنسا، وحسام الفاروق في أمريكا، والتي نظمت مشاركتهم فيها الأسترالية جيني بوكر، عاشقة الفنون التراثية، حتى أصبحت متخصصة في تسويقها، لتمنح صُناع الخيام متنفسا لعرض وبيع منتجاتهم بشكل لائق، في أصعب توقيت مرت به حرفتهم. انسحب كيم، الذي لا يجيد العربية، خلف الكاميرا مفسحًا المجال لاستطرادات صُناع الخيام في التعبير عن أنفسهم وأحوال مهنتهم ومواقفهم مما يجري في مصر، لتبدو كثير من المشاهد كأنها تسجيل لدردشات يومية بين رفاق مهنة واحدة، أو كأنها يوميات للشارع الفريد بطبيعته، بحركته وسلوكيات، مع الإضاءة على طبيعة العمل في "الصنعة"، ودور الأسطوات الكبار في تعليم الصغار، وفي الخلفية دوما جهاز تليفزيون يتابعون من خلاله ما يحدث من تغيرات ويكونون آراءهم فيها. في البداية حضر المخرج الاسترالي للقاهرة برفقة زوجته، حيث مكان عملها، وفكر في موضوع لفيلم جديد، يواصل فيه بحثه عن أصداء التغيرات السياسية في حياة الناس اليومية، فلا يشغله النجوم والشخصيات الشهيرة، وأراد تلمس أصداء ثورة يناير في حياة الناس، وبترتيب مسبق من أحد أساتذته الأستراليين في الجامعة التي درس بها، قابل كيم بعد ثلاثة أيام فقط من وصوله القاهرة جيني بوكر، التي أدخلته إلى عالم شارع الخيامية وعرضت له مشاكل فناني الخيامية مع توقف السياحة، الحدث الذي بدا طبيعيا مع تداعيات 25 يناير، لكنه هز استقرار حياة ملايين يعتمد مصدر رزقهم على الوافدين من الخارج، العلاقة الوثيقة بين جيني، والخيامين مكنت كيم، من نيل ثقة أبطاله بسرعة ليجد تعاونا كبيرا منهم. يقول: تدريجياً، رحبوا بالتصوير وبالتعبير عن أنفسهم، بعدما اعتادوا وجود الكاميرا بينهم، وكنت حريصاً على الانحياز للعادي واليومي في حياتهم، في فترة حافلة بالاضطرابات والتغيرات، التي كانت حاضرة بذاتها في معيشتهم، ولم أسع لإقحامها عليهم. كانت كاميرته تتجول بحرية في أنحاء الشارع، وحين يقرر التوقف والتركيز على "جماعيتهم"، يختار لحظة تجمع الصُناع في محل أو ورشة أحدهم، أثناء العمل، لم تكن حواراتهم اليومية مختلفة كثيرا عن حوارات متوقعة في باقي أنحاء مصر، نفس المشاكل والقلق من الحالة الأمنية والصعوبات الاقتصادية وغيرها. انطلق كيم في مشروعه دون تمويل أو إمكانيات مسبقة، كان هو كل فريق العمل، التجهيز والتصوير والإنتاج، ثم المونتاج والتوزيع والدعاية.. إلخ، ولأنه لم يمتلك ميزانية تسمح بمصاحبة مترجم اعتمد على التواصل مع شخصياته بالقليل من الإنجليزية التي حفظوها من التعامل مع السياح، والقليل من العربية التي حاول هو تعلمها في القاهرة، حتى شارك أحد شخصيات الفيلم في محاولة تعليمه العربية. يرى كيم، أن جهله باللغة العربية، أتاح المجال لشخصياته للتعبير بحرية دون تصورات مسبقة عن آرائهم، ومع الاقتراب من نهاية التصوير قادت الصدفة إلى نقلة في المونتاج بتعرفه على السينمائي السوري علي شيخ قادر، الذي تولي مهمة مونتاج الفيلم الذي يحوي الكثير من الحوارات بالعامية المصرية، في حين قام بترجمة الفيلم للإنجليزية، الأمريكي جاسون ريدرن، الذي يدرس الترجمة بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة. المخرج الأسترالي وفق قائمة أعماله منحاز بطبيعته للاشتباك مع القضايا الاجتماعية، منها عدة أفلام تسجيلية لتليفزيون وطنه، وشريط حول جدل تنفيذ حكم الإعدام في سنغافورة، عام 2006، ويستعد لفيلم عن أثر التغيرات المناخية على سكان أحد الأقاليم الأسترالية.