حلم الثورة والتغيير للأفضل الناتج عن رفض الواقع حلوا كان أو مرا هو حلم قديم راود المصريين منذ مائة سنة على أقل تقدير, لكن الخوف من الثورة وما ينتج عنها من فوضى وتغييرات اجتماعية عميقة تهز الواقع هزاً عميقاً كان و لم يزل هاجسا يغل يد البشر عن الرفض العنيف للواقع, ولعل أديبنا العبقري نجيب محفوظ، قد لمس هذه التناقضات بذكائه في ثلاثيته الشهيرة , حيث يفور قلب فهمي عبد الجواد، بالغضب والرفض للاستعمار الإنجليزي, فترد عليه والدته الست أمينة (رمز مصر البريئة الأصيلة) "ولدنا وولدتم وهم بيننا فعيب نقول لهم الآن اخرجوا", ولما قامت ثورة 1919، وبدأت حياة الناس تتعطل، ويحبس رجال الطبقة المتوسطة في بيوتهم بسبب التظاهرات, كانت زينب –زوجة يس عبد الجواد الأولى- ترى أن سعد زغلول وأصحابه هم سبب هذا البلاء كله, وأنهم لو عاشوا كما يعيش سائر الناس لتجنبت البلاد هذا القتل ووقف الحال. لذلك كانت ثورة 23 يوليو منذ يومها الأول أسعد حظاً من سابقتها؛ لأنها كانت ثورة من أعلى لم تتطلب حراكاً شعبياً, بل تكفل جمال، بالأمر كله وقام وحده بإحداث التغييرات المطلوبة, دون الحاجة لإراقة دماء, وإحداث فوضى عارمة في المجتمع . فللثورة ضريبة مؤكدة من الفوضى والألم وهز الثوابت وإعلاء فئات والحط من فئات, لكن للثورة ثمارا وأرباحا يجنيها الناس, لكن الثابت في ثورتنا المصرية الحديثة (25يناير) هو سيادة الفوضى والألم دون أي مكسب حقيقي يدفع حياة الناس للأمام, ومن يرفض كلامي عليه أن يقدم فائدة واحدة جناها رجل الشارع العادي من تلك الثورة. الثورات يا سادة لا يشارك فيها كافة الناس, بل لا يرضى عنها في بداياتها ويتعاطف معها من يتعاطف دون رغبة حقيقية في المشاركة خشية العواقب إلا الأقلية, فحب الاستقرار يغلب على سلوك الناس. والحقيقة التي لن تعجب الكثيرين أن ثورة 30 يونيو كانت حالة نادرة من التكاتف والالتفاف حول قائد مع مشاركة شعبية لا يمكن أن ينكرها إلا المعاتيه والمهاويس، فرأينا فيها الماركسي والليبرالي والناصري إلى جوار الوفدي, والثائر إلى جوار الفلول, وملايين من عامة الناس غير المسيسين, فقيرهم وغنيهم, شاركوا بصدق وإيمان ورغبة عارمة في التغيير, وكانت عيونهم مثبتة على شخص واحد رأى فيه الجميع الأمل والرجاء في الخلاص من الواقع المر (والتي كانت ثورة 25 يناير أحد عوامل هذا المرار) لذلك وفي ظل هذا التكاتف كان طبيعيا أن تنتصر الثورة في ثلاثة أيام, و من يرى أنها كانت مجرد انقلاب فليخبرني عن اسم ما حدث يوم 11 فبراير 2011. بعض هؤلاء الذين شاركوا بكل إخلاص في 30 يونيو، وبعد أن كفروا بما نتج عنها يحلمون بثورة جديدة وهو حلم مشروع, لكن الحقيقة أن الحصول على فرصة تاريخية قد تقود لثورة جديدة تقترب من مستوى الصدفة كما حدث في 25 يناير شبه منعدم, فهل يا سادة تقدرون أن تقنعوا ولو أقلية بسيطة من عامة الناس أن تكرر مأساة ما بعد الثورة من فوضى وانعدام أمن وتعطل الخدمات. كانت الثورة حلماً جميلاً فأيقظنا حراس الواقع على كابوس الإخوان الذي لايطاق, ليؤدبونا على حلم الثورة، وقد تأدبنا تماما. يتحدث البعض كثيرا عن حلم الثورة المنتظرة، عن الجماهير الهادرة التي تملأ الشوارع, وهي تملأ الشوارع بالفعل، لكن سعيا وراء لقمة العيش لا أكثر ولا أقل, يتحدثون باسم العامل والفلاح, ويصرخون باسم المقهورين والمظلومين, دون أن يعلموا لغفلتهم أن هؤلاء التعساء في غفلة كاملة عنهم وعن لغوهم, فلتحلموا يا سادة على قدر واقعكم, قبل أن تفكروا في ثورة جديدة عليكم إقناع 100 فرد من التعساء الذين تدعون تمثيلهم والتحدث باسمهم أن يخرجوا معكم في مظاهرة.