ترسم القيم الاجتماعية سلوك الفرد، وتوضح له الصح والخطأ، والجميل والقبيح، وما ينبغي فعله وما يستوجب تركه، كما تعد محركا لرغبات الأشخاص، فالقيم الأخلاقية ليست معادلة رياضية بل مجموعة أحكام عقلية انفعالية توجهنا نحو رغباتنا واتجاهاتنا، يكتسبها الفرد من مجتمعه وبيئته، وتصبح محركا لسلوكه ومقياسا اجتماعيا يحكم مدى ارتباطه وخضوعه لما هو سائد، ولها عدة أنواع، منها القيم النظرية والسياسية والجمالية والاجتماعية والدينية. ويري بعض الخبراء أنه بالنظر إلي الوضع الحالي، نجد أن القيم النبيلة التي كانت تميز أفراد المجتمع المصري من شهامة وشجاعة ونخوة، اندثرت وأصبحت مجرد ذكريات لماضى، فعند حدوث مكروه لشخص ما علي قارعة الطريق، لا نجد من يتوقف للاطمئنان عليه أو مساعدته، مؤكدين أن ذلك نتيجة عدة عوامل، منها الظلم والقهر والاستبداد التي يتعرض لهم المواطن المصري طوال حياته من الأنظمة الحاكمة، بالإضافة إلي تدني المستوي المعيشي للفرد والعشوائية الثقافية والحياتية، الأمر الذي ساهم في القضاء علي كافة القيم والثوابت الأخلاقية. المنظومة التعليمية تصنع من الطالب «مسخًا مشوهًا» يقول الدكتور كمال مغيث، أستاذ المناهج التعليمية، إن التعليم المصري يلعب دوراً سلبياً في تكوين شخصية المواطن المصري منذ عقود، فالمدارس تعتمد في تعاملها مع الطالب منذ نعومة أظافره باعتباره آلة مهمتها تلقي المعلومات دون نقاش وفهم، وفي نهاية العام الدراسي الدلو بها في كراسة الامتحان، مما ينتج لنا في النهاية شخصا مشوها من الجانب الفكري والثقافي، ليجد نفسه بعد ذلك محاطا بوسائل أكثر تفاعلا معه، لكنها غير أخلاقية كالمواقع الإلكترونية التي تحض علي الفساد والرذيلة، مشيراً إلي أن المؤسسة التعليمية غير صالحة للتعامل مع الأطفال وتقديم التربية والأخلاق. ويضيف "مغيث" أن الوزارة لا تهتم بصقل ثقافة الطالب فكرياً أو أخلاقيا، فالمواد التي تتحدث عن الهوية الوطنية والانتماء الفكري والأخلاقي للوطن كالتربية الوطنية، لا يعتد بها وتعتبر مادة ثانوية، لافتاً إلي أن الدور السلبي الذي تلعبه الدولة من خلال إذعان عقل الطالب لفكرتها السلطوية والاستبدادية وتوجيهه لفكرة الطاعة العمياء للنظام دون الأخذ فى الاعتبار تنمية شخصيته ثقافياً أو أخلاقياً، ساهم في انتشار السلبية في التعامل مع المواقف والأحداث الحياتية التي تحيط بالمواطن. سعى رب الأسرة وراء «لقمة العيش» ساهم فى اندثار القيم النبيلة من جانبها، تقول الدكتورة إنشاد عز الدين، أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية، إن الانحدار الأخلاقي واندثار القيم النبيلة فى المجتمع، يرجع لعدة عوامل، أهمها غياب دور الأسرة في التربية وانشغال رب الأسرة فى البحث عن لقمة العيش، مما يجعل الطفل منجذبا لوسائل أخري كأصدقاء السوء والإعلام المشوه. وتوضح "عز الدين" أن الدولة تعد الطرف الآخر المسئول عن التدني الأخلاقي، فلا مجال لانشغال رب الأسرة عن أطفاله فى البحث عن لقمة العيش حال توفيرها له من جانب الدولة بصورة كريمة، مضيفة: «يضطر عائل الأسرة إلى البحث عن وظيفتين أو ثلاثة لتأمين متطلبات أسرته»، مطالبا الدولة بضرورة اتخاذ خطوات فعلية لإنهاء الدور السلبي الذي تلعبه في تدمير المجتمع أخلاقياً عن طريق تضييق الخناق علي المواطن اقتصادياً. وتابعت: أما الدور السلبي الذي يلعبه الإعلام فحدث ولا حرج، فهناك برامج تتحدث عن أشياء وموضوعات لا يجوز بأي شكل من الأشكال طرحها للنقاش بتلك الطريقة، وأخرى تعرض مواد إعلانية بذيئة من أفلام ومسلسلات وأغاني بها من الفساد الأخلاقي والفكري ما يدمر مجتمعات بأكملها، مؤكدة أن ذلك منهج مخطط له من قبل البعض لتدمير الشباب المصري وإلهائه، وهو ما كان يتبع من قبل النظام السياسي إبان حكم مبارك؛ تمهيدا لعودته مرة أخري للحياة السياسية. بروتوكولات صهيون تحكم المجتمع المصري برعاية الأنظمة الحاكمة وفى نفس السياق، أوضح الدكتور جمال فرويز، الاستشاري النفسي، أن اندثار القيم الأخلاقية يعود للانهيار الثقافي الذي يعاني منه المجتمع المصري منذ أكثر من ثلاثة عقود، والنكسة الثقافية التي صنعها نظام مبارك الفاشي؛ من أجل تدمير المستوي الفكري والأخلاقي للمجتمع، مشيراً إلي أن السمة الأساسية التي أصبحت تسيطر علي الشعب المصري هي اللامبالاة والتي جعلت المواطن يقف موقف المتفرج عند حدوث أي موقف سلبي. واستطرد: للأسف الشعب المصري تعرض لكافة أنواع الظلم والقهر والقمع خلال العقود الثلاثة الماضية في العمل والمواصلات والحياة اليومية، مما أثر بالسلب علي الحالة النفسية له، وجعله يشعر بعدم الرغبة في الانخراط بالمجتمع، وبالتالي لجأ إلي اقرب وسيلة لديه للرد علي ما يلاقيه من الدولة من سلبيات. ويشير "فرويز" إلي أن النظام الحالي ساهم في استمرار ذلك الشعور لدي المواطن، فغالبية المسئولين بالدولة إلي جانب بعض الوزراء أسوأ مما كان الشعب المصري يتخيل، ويعملون بأسلوب النظام الديكتاتوري، وهو ما يجعل الفرد يشعر بعدم تحسن الحال المعيشي، إلي جانب بعض الحالات التي بدأت في الظهور علي السطح من تعذيب ووفاة أشخاص داخل الأقسام والسجون. ويؤكد فرويز أن ما يحكم مصر هو "بروتوكول صهيون البند الثاني" الذي يتحدث عن السيطرة علي القضاء والإعلام والثقافة للهيمنة علي المجتمع وتوجيهه، لافتا إلي أن من أسباب اندثار القيم يعودج لانحسار الطبقة الوسطي التي كانت تقف حائلا ضد انتشار العشوائيات سواء فكرياً أو أخلاقياً وهو ما أضحي غير موجود علي أرض الواقع حالياً مما ساهم في تغول عشوائية الأخلاقيات وضربها لأساسيات المجتمع المصري. وطالب الاستشاري النفسي الدولة والإعلام بأداء الدور المنوط بهما في التصدي لتغول السلوك الانحرافي وإعادة القيم الأخلاقية النبيلة التي اندثرت عن طريق رفع مستوي المعيشة للمواطن والارتقاء بالمستوي التعليمي والتشدد في تطبيق القوانين الرادعة لفئات محددة والتي تسعي لنشر الانحطاط الأخلاقي كي يكون المجتمع ملائم لتواجدها به.