تصوير أحمد خير يشكك البعض في وطنية بدو سيناء، من خلال نماذج فردية تعرضت لضغوط صعبة، فكان من الضروري في هذه المناسبة أن نذكر البطولات المنسية للبدو، الذين أنقذوا الجنود المنسحبين بعد النكسة في بيوتهم، بعيدًا عن أعين العدو حتى يسلموهم للجيش المصري، ورفضوا تدويل سيناء أو الحكم الذاتي الذي روج له الكيان الصهيوني، بل أعلنوا الإضراب ضد الاحتلال أمام كاميرات الصحف والفضائيات التي جلبها الإسرائيليون احتفالًا بوقوع سيناء في أيديهم، بل وصل الأمر إلى أن تحولوا إلى مثال وطني بفدائيتهم من خلال منظمة سيناء. يتفق المؤرخون والخبراء العسكريون، على أن حرب تحرير سيناء لم تبدأ بالسادس من أكتوبر، فالطريق أمام النصر كان مفروشًا بالبطولات التي شهدتها رمال أرض الفيروز، كان للعسكريين دور كبير في الحرب، لكن بطولات أصحاب الأرض المحررة كانت محورية وحاسمة. أقمار صناعية بشرية "لم تكن لدينا أقمار صناعية، لكن كانت لدينا هذه الأعين الثاقبة والصادقة من أبناء سيناء، لقد جعلوا المواقع الإسرائيلية كتابًا مفتوحًا أمام القوات المسلحة، فلولا أبناء سيناء ما كانت حرب أكتوبر وما تحررت سيناء". كلمات قالها اللواءفؤاد نصار، مدير المخابرات الحربية، في ذلك الوقت، أمام الرئيس الراحل محمد أنور السادات والقيادات العسكرية، عقب انتصار حرب أكتوبر المجيدة، ليثبت للعالم كله عزة وكرامة أبناء سيناء، الذين ضحوا بكل ما لديهم من أجل وطنهم. كانتسيناء التي تمثل 6% فقط من مساحة أرض مصر،منبع البطولات التي أهملها الكثيرون، منشغلين عن أهلها برجال نالوا الترقيات والأوسمة، ورغم أن الحديث عن البطولات السيناوية لا ينقطع، إلَّا أنها ظلتمنسية ومهملة من قِبَل العديد من المنابر الإعلامية ورجالها. جنود مجهولون مثَل بدو سيناء الجندي المجهول في حرب أكتوبر المجيدة، وكان لهم دور عظيم وتأثير كبير، من خلال تعاونهم مع الجيش المصري في تحقيق النصر، وخرج من بينهم أبطال شرفاء ومخلصون، تروى بطولاتهمجيلًا بعد جيلٍ. وكان لبدو قبائل سيناء وشيوخهادور عظيم خلال هذه الحرب المجيدة وقبلها، بدءًا من نكسة 67، إذ اصطحب بدو سيناء بعض الجنود وأخذوا يتنقلون بهم من جبلٍ لجبلٍ ستة أشهر، بعيدًا عن أعين العدو، ثم أوصلوهم إلى القاهرة سالمين غانمين. فعقب النكسة تأثر الكثيرون من أبناء سيناء بما حدث، مثلهم كبقية المصريين حين رأوا حربًا غير متكافئة، وجيشًا لم تتح له الفرصة أن يحارب، مات الكثيرون منه برصاص غادر ملوث، مما دفع أكثرهم للتوجه مع أبناء مدن القناة الثلاثة "السويس، بورسعيد، والإسماعيلية" إلي إدارة المخابرات الحربية التابعة للجيش، للتطوع كفدائيين وكلفوا بثلاثة مهامأساسيةللجيش المصري آنذاك "جمع المعلومات عن جيش العدو وتصوير مراكز وقواعد ارتكازات جيشهم والقيام بالعمليات الاعتراضية خلف الخطوط والمواقع المتأخرة". كان أبناء سيناء يختارون المهام حسب مهارة الفرد وقدرته على العطاء، فمنهم من كان يختار تصوير مواقع وارتكازات العدو، وكانت تدربهم أجهزة المخابرات على استخدام أحدث كاميرات التصوير في ذلك الوقت، وكانوا يختبئون وسط الأغنام ويرتدون "القاعد"، وهو ملبس مصنوع من صوف الخراف حتى يتمكنوا من الاختباء وسط الأغنام دون أن يكتشفهم العدو الإسرائيلي، كما كانوا ينقلون كل تحركاتهم للقيادة المصرية. ومنهم من اختار العمليات الاعتراضية التي تقع خلف خطوط العدو في الجبهة، ويتم من خلالهاإطلاق صواريخ "الكاتيوشا" على المواقع المتواجدة في آخر جبهة العدو، كما كان الجيش يقصف مواقع العدو على الجبهة، ويقصف فدائيو سيناء مواقع العدو الواقعة على بعد 160 كم داخل الجبهةالإسرائيلية، بصواريخ روسية الصنع ومداها 8 كم. مناضلون بالفطرة يقول محمد خضير، شيخ قبيلة العمارين عن الرجل البدوي: حين تولد في مناخ كل الظروف ضدك معيشيةوجغرافية وربما سياسية، فأنت إذًامناضل بالفطرة، أن تختبر في وطنيتك مرارًا وأنت طفل، وتدافع عن هويتك وتحارب ليعترف بك وطنك، أن تخرج للحياة لتدرس بالابتدائية فتجد المدرسة على بعد 20 كيلومترًا، وربما أكثر ولا وجود لوسائل مواصلات، ولا مدرسين بالأساس، فأنت مناضل بالفطرة. وأضاف خضير:ألَّا تجد المياه الصالحة للاستخدام اليومي وليس المياه العذبة الصالحة للشرب فحسب فأنت مناضل، أن تجد المدرسة الثانوية في العاصمة العريش التي تبعد عن المدينة 40 كيلو مترًا أو أكثر، فأنت إما أن تكون ثريًّا أو أن تعليمك على حساب قوت أهلك اليومي، أن تتخرج ولا تجد كليات بجامعة امتدادها كما تسمى نفسها قناة السويس، فأنت مضطر للتعليم الخاص أو الاغتراب، وكأنك استثمار عائلة أو وديعة ادخار تم فكها، فأنت مناضل بالفطرة. ما تبقى في الذاكرة يقول سلمي الرويضي، شيخ قبيلة الأحيوات، حول عيد تحرير سيناء: "أعمامي الحاج سلمان والحاج صالح" رحمهما الله، تلقيا تدريبات على أيدي المخابرات، وكان بحوزتهما أجهزة يرسلان من خلالها المعلومات التي نجمعها عن مناطق ارتكاز الجيش الصهيوني، كنا نقيم وقتها بمنطقة الشلالة بوسط سيناء على بعد 860 كيلو مترًا من منطقة "أم خشيب"، كنا نساعد أيضًاعناصر الجيش في الاختباء والهروب عبر الدروب الجبلية أثناء مطاردة الجيش الصهيوني لهم. ما بين السادس من أكتوبر عام 1973، والخامس والعشرين من أبريل عام 1982، تسعة أعوام مثلت حقبة فاصلة في تاريخ الإدارة المصرية للصراع الطويل مع إسرائيل، وكانت سيناء المحور الأساسي في ذلك الصراع، ومثلت المقاومة الشعبية الجندي المجهول في معركة التحرير. فقد شهدت أرضها عمليات قتال شرسة، كما كانت حدودها محور صراع التفاوض الذي استمر سنوات بعد انتهاء حرب أكتوبر، وما كنا سنحتفل بتحرير سيناء في عام 1982 دون التضحيات والإنجازات العسكرية التي جاءت بها حرب عام1973، ولذلك فإننا نحتفل بسيناء كل عام مرتين، مرة في أكتوبر رمزًا لنصر عسكري حققه رجال القوات المسلحة في ملحمة غير مسبوقة، وأخرى في أبريل رمزًا لانتصار الإرادة المصرية الصامدة عبر مفاوضات طويلة وشاقة.