منذ الربع الأخير من العام الماضي، تم الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية"، أبو بكر البغدادي عدة مرات، أشهرها في نوفمبر الماضي، وهي المحاولة التي نفاها البغدادي في تسجيل صوتي له أواخر الشهر نفسه، وذلك بعد إعلان مسئولين عراقيين عن احتمالية مقتله وعدد من مساعديه الرئيسيين في غارة جوية استهدفت قافلة عسكرية للتنظيم في الموصل شمال بغداد، والتي يسيطر عليها التنظيم منذ يونيو الماضي، وأُعلن فيها عن قيام ما سمي ب"الخلافة" وتنصيب البغدادي "خليفة للمسلمين" بعد ذلك بشهر واحد. منذ بداية العام الجاري، تم الإعلان عن مقتل البغدادي مرتين، أحدهما في يناير الماضي، والأخرى في مارس، وهاتان المحاولتان على عكس غارة نوفمبر أو ما قبلها لم ينفها التنظيم بشكل قاطع على لسان قادته أو من خلال وسائل إعلامه المختلفة، وكذلك لم يؤكدها مصدر رسمي حتى كتابة هذه السطور سواء من الحكومة العراقية أو واشنطن، التي تقود تحالف دولي منذ اغسطس الماضي يهدف للقضاء على التنظيم. أول أمس نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية تقريراً يفيد بأن البغدادي أصيب بإصابات بالغة في غارة لطائرات أميركية في مارس الماضي، وأنه في حالة صحية تمنعه من أداء مهامه، وأنه في ظل استهداف قيادات التنظيم طيلة الأشهر الماضية، والذي كان أهمهم أبو مسلم التركماني نائب البغدادي أو مساعده، بالإضافة إلى كثيريين من قادة الصف الأول والثاني في التنظيم سواء في سوريا أو العراق، مما أثر على آلية اتخاذ القرار في التنظيم الذي تتضح مع مرور الأيام التعقيدات الخاصة بتسيير العمل فيه سواء من الناحية التنظيمية أو العسكرية، وهو ما دعى عدد من قيادات التنظيم بحسب مصدر وصفته الجارديان ب"وثيق الصلة بتنظيم الدولة" إلى الإسراع باختيار نائب له يقوم بمهامه ويخلفه حال موته. قيادات التنظيم الذي قاموا بهذا الأمر يسمون ب"أهل الحل والعقد" والذين هم حسب تحقيق نشرته صحيفة "دير شبيجل" الألمانية يفوقون سلطة ونفوذ على مجلس شورى التنظيم، أو أي كيان أخر سواء تنظيمي أو عسكري داخل "الدولة الإسلامية"، وأشارت "دير شبيجل" في معرض تحقيقها عن شخص من هؤلاء يسمى ب"حجي بكر" إلى أن هناك تيارات متداخلة داخل التنظيم، الذي لم تتضح حتى الأن أسماء قادته بشكل قاطع ومفصل، وأن هناك مستويات من القيادة والمخططين لا يظهروا للعلن ولا يعرف بوجودهم الكثير من مقاتلي التنظيم والقائمين على شئون الإدارة والقتال، فعلى سبيل المثال أتضح أن "حجي بكر" من المخططين البارزين للتنظيم منذ بدايته، سواء على في الشئون الإدارية والتنظيمية أو العسكرية والأمنية، وأن شخصيته لم تكشف إلا بعد مقتله وتفتيش مسكنه بأحد المدن السورية. في السياق نفسه، تلمح مجلة "نيوزويك"الأميركية في معرض تقرير نشر أول أمس إلى أن اختيار "خليفة مؤقت" للتنظيم أمر ضروري في ظل تنامي ظواهر الانفلات داخله، فشهدت الشهور الماضية حسب الصحيفة محاولات تمرد وفرار عديدة، سواء بسبب خلافات فقهية ودينية أو لصراعها المحتدم مع القاعدة وجبهة النُصرة، وأن تلك الظواهر قد تتفاقم حال موت البغدادي دون اختيار بديل له. أما عن البديل، فذكرت نيوزويك عن مسئول عراقي أن قادة التنظيم اختاروا شخصاً يدعى أبو علاء العفري ليقوم بمهام البغدادي المصاب حالياً بشكل مؤقت ويتولى زعامة التنظيم بعد وفاته. وأضافت الصحيفة الأميركية أن المعلومات المتاحة عن العفري ضئيلة جدا. وقد يرجع ذلك لكون العفري من "أهل الحل والعقد" الذين تحيط بهم هالة من الغموض على الرغم من تنفذهم وتأثيرهم على مسار التنظيم منذ بدايته. وتضيف "نيوزويك" أن أسم العفري الحقيقي هو عبد الرحمن مصطفى، عراقي من مواليد الموصل، وعمل مدرساً للفيزياء في مدينة تلعفر بمحافظة نينوى العراقية، وأن له عشرات الدراسات الدينية والشرعية وتتلمذ على يعد المنظر الجهادي أبو مصعب السوري، وبرز دوره في التنظيم في الفترة الماضية التي تعرض فيها التنظيم لضربات وهزائم متوالية في سورياوالعراق، بعد مقتل العديد من مساعدي البغدادي، ومن المرجح أن يكون ذلك ما دعى اختياره لدوره الجديد، حيث أنه بحسب باحث مختص في شئون التنظيمات الإرهابية أحد القادة المميزين داخل داعش في مسألة التنظيم والإدارة، بخلاف أنه يتمتع بأفضلية أقدمية بين أقرانه حيث أنه كان المرشح الأول من قِبل أسامة بن لادن لتزعم قيادة التنظيم حينما كان يسمى ب"الدولة الإسلامية في العراق" بعد مقتل قائده أبو عمر البغدادي آنذاك، إلا أن بن لادن أختار أبو بكر البغدادي بدل منه. ويضيف الباحث بأن العفري يفوق البغدادي في مسألة تشبيك العلاقات وأنه خطيب مفوه وصاحب حضور قوي وله سمعة طيبة في صفوف مقاتلي التنظيم. وبالإضافة للسابق، فأن العفري يعتبر من جيل المجاهدين القدامى الذين عاصروا مرحلة القاعدة في افغانستان أواخر التسعينيات، وعودته للعراق بعد الغزو الأميركي ويتولى مع أبو مصعب الزرقاوي تأسيس ما سمي ب"مجلس شورى المجاهدين" الذي تألف من مختلف التنظيمات الجهادية في العراق، والذي ما لبث إلى أن تحول إلى تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" ثم "الدولة الإسلامية في العراق" ثم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وصولاً إلى "الدولة الإسلامية". وكانت صحيفة "تيلجراف" البريطانية قد نشرت في نوفمبر الماضي أن بعد الغارة التي قيل أنها استهدفت البغدادي أن الأخير أثر تعرضه لخطر الموت بعد إصابته عين شخص يدعى أبو سجى نائباً له، وهو ما يتوافق مع رواية أمنيين عراقيين لوسائل إعلام عراقية محلية منها قناة "السومرية نيوز" أن المدعو أبو سجى هو نفسه أبو علاء العفري وكان قد تولى مسئوليات متعددة في التنظيم على مدار الشهور الماضية، منها رئاسة شورى التنظيم وقبلها أمير شئون "الشهداء وعوائلهم" وأخيراً نائب الخليفة. الصحيفة ذاتها قد نشرت تقرير يوضح بنية "الدولة الإسلامية" التنظيمية في سبتمبر الماضي وجاء فيه أن أبو سجى جزء من الهيئة العسكرية للتنظيم.