يكمل جمال حمدان ما نقلناه عنه بمقالة الأسبوع الفائت، من مقولات وردت بأوراقه الخاصة، ولم تنشر سوى مؤخرًا: قل لي ما هو هذا الحاكم، أقل لك من هو هذا الشعب، فإذا كان الحاكم من القمة إلى القاع يخشى الشعب ويرتعد أمامه فهذا شعب حقًّا، أما إذا كان العكس, فليس هذا بشعب وإنما قطيع. الشعب فاعل, والحاكم مفعول به, وليس العكس. الطغيان لا يصنعه الطاغية, وإنما الشعب هو الذي يصنع الطاغية والطغيان معًا. مصر أعرق دولة سياسية في التاريخ, ولكن وااسفاه أعرق دولة في الديكتاتورية أيضًا. وإن المرء ليدهش إزاء كمية الآراء الفجة والاقتراحات الموغلة في الجهل التي تطرح كحلول لمشاكل مصر, كأنما حرية الرأي والاجتهاد لهي حرية الجهل. وستظل مصر تتخبط وتتلاحم إلى أن يحكمها خيرة أبنائها من العلماء. مصر كانت عند الحملة الفرنسية مثل "أهل الكهف" استيقظت على عصر غير عصرها . الوطنية المصرية بدأت مع بداية أسرة محمد علي, والقومية العربية بدأت مع نهايتها. قناة السويس حولت مصر من يابس واحد وبحرين إلى بحر واحد ويابسين. أعظم سياسة خارجية ممكنة لمصر اليوم هي البناء الداخلي, كل ما عدا ذلك بلا جدوي، ابن قوتك داخليًّا أولًا ثم انطلق، حتي الدول العربية لن تُقبل عليك وتعترف بك حقًّا إلَّا من موضع القوة. مصر ليست قلعة المصريين, لكن قلعة العرب أيضًا. بمعنى أنها ليست منطوية على نفسها ولا انفصالية, بل على العكس هي حصن الوحدة والعروبة. لولا الإسلام لما وجد العالم العربي. وحدة مصر الحقة تتبلور في جغرافيتها أكثر منها في تاريخها, تاريخها يمتاز بالانقطاع, بينما الاستمرارية أبرز في جغرافيتها . مصر كلها كقطار طويل للغاية, تجره قاطرة ضخمة قوية هي الدلتا, الصعيد هي العربات المترامية, النوبة هي السبنسة. سواء كان الصلح مع إسرائيل بمثابة صلح الرملة أو بمثابة صلح برست ليتوفسك، فهو هدنة مسلحة على مستوى غير عادي, وفترة تجميد للصراع وليس نهاية له. بل استعداد للحرب من جديد في ظروف أفضل والتقاط أنفاس، إن الاعتراف ليس نهاية المطاف. والصلح ليس نهاية الصراع. إسرائيل العدو المباشر, أمريكا العدو اللاحق, الأنظمة العدو السابق. الإسرائيليون هم فاشلو الصهيونية العالمية, والصهيونية هم فاشلو اليهودية العالمية. إذا لم تكن الحرب السادسة مع مصر, فقد تكون مع سوريا, فإذا كانت مع سوريا فقد تكون السابعة مع مصر. ليس المطلوب بعد استراتيجية عربية, المطلوب شعوب عربية جديدة, أمة جديدة. المقاومة الفلسطينية: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر. المصدر: جمال حمدان وعبقرية المكان