يبدو أن وزير الداخلية الجديد لا يعرف ما يحدث في أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز من خلال تصريحاته التي تؤكد أن "كرامة المواطن خط أحمر"؛ في إشارة منه إلى أن وزارة الداخلية لا تسمح بإهانة المواطنين في ظل وجود عشرات أو ربما المئات من حالات التعذيب، والتي يصل بعضها إلى الوفاة في بعض الأقسام. كما أكد اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية الذي لم يمضِ على تعيينه سوى شهرين أثناء لقائه بقيادات الوزارة بالمحافظات أن الداخلية حريصة كل الحرص على حريات المواطنين وكرامتهم. فلم تمضِ ساعات على تصريحات الوزير، إلا وتأتي آخر الحوادث داخل أقسام الشرطة التي تشير أصابع الاتهام فيها إلى وزارة الداخلية، وهي وفاة ثاني مواطن داخل قسم مصر القديمة، صباح أمس السبت، وتبين من معاينة النيابة العامة لحجز القسم أن عدد المحتجزين يفوق سعة الحجز، حيث يتسع الحجز ل 120 شخصًا، بينما يتواجد داخله 380 متهمًا، حيث توفي "سيد م. أ." (30 سنة) المتهم في قضية سرقة؛ نتيجة هبوط حاد بالدورة الدموية، وهو ثاني حالة خلال 48 ساعة. كما جاء تقرير مؤسسة "مؤشر الديمقراطية" في رصد وتحليل مؤشرات العنف والإرهاب السياسي في مصر ليوضح حجم العنف الممارس من الدولة ضد المواطنين، والذي يحتل المرتبة الثانية بنسبة 15.5%، بعدما فرقت قوات الأمن 226 تظاهرة واحتجاجًا، واستخدم الأمن القوة بشكل إما نشب عنه اشتباكات مع المحتجين أو تفريق المظاهرة بالكامل، وفي كافة الأحوال كانت هناك خسائر بشرية واقتصادية. كما رصد التقرير إطلاق الشرطة النار بشكل مباشر على مواطن، إضافة إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع على جنازة مواطن. وتابع التقرير أن الجهاز الأمني للدولة تورط في 228 حادث عنف خلال فترة التقرير، وهو ما جعله اليد الطولى للدولة في ممارسة العنف ضد معارضيها. ورغم العمليات العسكرية التي تنفذها الدولة في سيناء، إلا أن عمليات الخطف للجنود والمواطنين وقتلهم لا تزال مستمرة، بل وفي تصاعد، وكذلك عمليات استهداف الكمائن الأمنية، والأكثر خطرًا هو العروض العسكرية لبعض الجماعات الإرهابية. فجماعة الإخوان ومناصروها هم أهم الفصائل المتورطة في العنف، والتي تمارس مع الدولة حربًا ضروسًا تستخدم فيها كافة أشكال العنف، وتقابله الدولة بعنف مقابل في مسرحية ممتدة منذ يوليو 2013 وحتى الآن. ومن جانبه قال محمد زارع الناشط الحقوقي إن هناك عددًا من أقسام الشرطة تعرف باسم "السلخانة"، وأبزها المطرية، ودار السلام، ومصر القديمة؛ نظرًا لشدة التعذيب والسحل اللذين يتعرض لهما السجناء داخل هذه الأقسام. وأشار إلى أنه في الفترة الماضية رصدت منظمات حقوق الإنسان وفاة أكثر من 70 مواطنًا بين تعذيب وهبوط حاد في الدورة الدموية. وأكد زارع أن تصريحات الوزير مجرد "درب خيال" وبعيدة كل البعد عن أرض الواقع والتطبيق الفعلي للسجناء الذين يتعرضون لأبشع أنواع الإهانة والتعذيب. وتابع أن الوزارة تحتاج إلى تشريعات تجرم وقانون يطبق على كل من خالفه، ولكن في الوقت الحالي لا يوجد أحد يعاقب على الجرائم التي ترتكب. وقال جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان إن المجلس رصد عشرات الحالات من التعذيب خلال الفترة الماضية، بجانب تدني الخدمات داخل بعض السجون وأماكن الاحتجاز. وأضاف إسحاق أن هذه الحالات تم وضعها في تقرير وتقديمه إلى النائب العام، كاشفًا أنه حتى الآن لم يتم معاقبة أحد، لافتًا إلى أن زيارة النيابة للسجون في الأيام الماضية رصدت أيضًا بعض حالات التعذيب.