فى مدينة دسوق التى تُلقب ب "عروس النيل"، والتي تقع أقصى شمال الدلتا، وتطل على فرع رشيد أحد فرعي نهر النيل، وتبعد عن مدينة القاهرة مسافة 167 كيلو متراً شمالاً، وعن مدينة الإسكندرية 85 كيلو متراً شرقًا، يتوافد المئات يوميًّا على مسجد إبراهيم الدسوقى، أحد أهم المزارات الإسلامية، سائلاً إياه المدد والفيض والرحمات النورانية والأسرارالقدسية. فالغلابة بطبيعتهم المتدينة يحبون كل شيء يقربهم إلى الله، وزيارة أضرحة الأئمة وأولياء الله الصالحين جزء من عادات دينية اعتاد عليها المصريون؛ إيمانًا منهم ببركة هؤلاء الأولياء. داخل المقام قابلت الحاج محمد خادم المقام، الذى قال لى إنه يعمل منذ 35 عامًا، ولم يترك الضريح عملاً بوصية والده، الذي قال له "اوعى تسيب المقام أبدًا"، مضيفًا أننا نعمل هنا كل تلك السنوات، ونعيش على نفحات الزائرين ومريدى سيدى إبراهيم، مؤكدًا أن المسجد يلقي إقبالاً كبيرًا، خاصة يوم الجمعة من كل أسبوع، لافتًا إلى أن الاحتفال بمولد سيدى إبراهيم الدسوقى متوارث منذ مئات السنين، ويستمر لمدة 15يومًا، وكان ينتهي بخروج المحمل على الجمل في احتفال كبير، غير أنه تم إلغاء خروجه في المولد الأخير لظروف أمنية. وفي المولد يتم فتح ساحات الذكر؛ لاستقبال الضيوف من جميع أنحاء الجمهورية. وقال هاشم سعد إبراهيم إمام وخطيب بأوقاف كفر الشيخ "إن الغلابة لا يلتفتون للانتقادات التي يوجهها البعض لممارساتهم العتيقة، فزيارة الأضرحة ومقامات الأولياء الصالحين تمثل أهمية كبيرة لدى معظم الناس، وتجد من يأتي ليسكب همومه على عتبات آل البيت، ويظل يطوف حول مقام الولي، منشداً بعض أشعار الصوفية، وكلمة "مدد" لا تفارق لسانه، وسيدات جئن ليبحن بأسرارهن، ورجال جاءوا من أقصى الجنوب؛ ليفوا بنذورهم، فيكلفوا أنفسهم؛ توسماً في أن يفك الله كرباً ما، أو يستجيب لدعوة ما. وتجد من يطعم الفقراء، ومن يوزع الأموال على المحتاجين، وفتيات يتبركن بقطب الأقطاب، متمنين الستر وابن الحلال". آخر أقطاب الولاية الأربعة سيدى الدسوقى بُشِر بمولده قبل أن يولد، فكان هناك بقرية "سنهور المدينة" جنوب شرق مدينة دسوق شيخ من كبار الصوفية وقتها اسمه محمد بن هارون، وكان على صلة وطيدة بسيدى عبد العزيز أبي المجد، فكلما رأى ابن هارون أبا المجد، قام له وشدّ على تكريمه إياه، حتى لاحظ أصحابه ذلك، وسألوه عن سبب ذلك، فقال لهم إن في ظهره وليًّا يبلغ صيته المشرق والمغرب. إنه إبراهيم بن عبد العزيز أبو المجد (دسوق 653 ه/1255 م – 696 ه/1296) إمام صوفي وآخر أقطاب الولاية الأربعة لدى الصوفية، وإليه تنسب الطريقة الدسوقية. لقب نفسه بالدسوقي؛ نسبة إلى مدينة دسوق بشمال مصر التي نشأ وعاش فيها حتى وفاته. أما أتباعه فلقبوه بالعديد من الألقاب، أشهرها "برهان الدين" و"أبا العينين". ينتهي نسبه من جهة أبيه إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وجده لأمه هو أبو الفتح الواسطي خليفة الطريقة الرفاعية في مصر، ولذلك كانت له علاقة بالصوفية منذ صغره، كما تأثر بأفكار أبي الحسن الشاذلي، وكان على صلة بأحمد البدوي بمدينة طنطا الذي كان معاصراً له. وهو من القائلين بالحقيقة المحمدية ووحدة الشهود، بجانب التصوف العملي الشرعي، وتولى منصب شيخ الإسلام في عهد السلطان الظاهر بيبرس البندقداري. يُنسب إليه العديد من الكرامات، وانتشرت طريقته في مصر والسودان، بجانب بعض الدول الإسلامية والأوروبيّة، وتفرع من طريقته العديد من الطرق الأخرى، أشهرها " البرهامية، والشهاوية البرهامية، والدسوقية المحمدية في مصر، والبرهانية الدسوقية الشاذلية بالسودان". يُقام له في مدينة دسوق احتفالان سنويًّا، أحدهما في شهر إبريل، ويُسمى بالمولد الرجبي، والثاني في أكتوبر، وهو الاحتفال بمولده الذي يُعد من أكبر الاحتفالات الدينية في مصر، حيث يزور مسجده الكائن بقلب المدينة أكثر من مليونى زائر خلال أسبوع المولد من داخل مصر وخارجها. إن مكانة وعظمة القطب الدسوقي وطريقته من الأسباب الهامة لتصبح دسوق عضوة في منظمة العواصم والمدن الإسلامية. وعن نشأته يقول رضى الله عنه: نعم نشأتي في الحب من قبل آدم.. وسرّي في الأكوان من قبل نشأتي أنا القطب شيخ الوقت في كل مذهب.. أنا السيد البرهان شيخ الحقيقة وعن طريقته يقول سيدى إبراهيم الدسوقي: "آه، آه، ما أحلى هذه الطريقة! ما أسناها وما أمرّها! ما أصعب مواردها! ما أعجب واردها! ما أعمق بحرها! ما أكثر سدها! ما أكثر حيّاتها وعقاربها! فيا لله يا أولادي لا تتفرقوا، واجتمعوا يحميكم الله من الآفات ببركة أستاذكم". وفي كتابه "الحقائق" صرَّح سيدى إبراهيم الدسوقي أن شيخه الذي أخذ عليه العهد هو النبي محمد نفسه، إذ يقول: "إن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عليّ العهد بيمينه، وصار يكشف لي عن الأمور، ويفتح لي أقفال الحجب". تُوفِّيَ رضى الله عنه وهو ساجد، عام 696 ه، ومقامه بمسجد من أكبر مساجد مصر، والذي يُعرف حاليًّا بمسجد سيدي إبراهيم الدسوقي، واختصاراً "المسجد الإبراهيمي" بمدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ. إصلاحات وترميم يقول الشيخ عبد الناصر بليح القيادى الدعوى بكفر الشيخ إن مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي من أكبر المساجد على مستوى الجمهورية وأعرقها، وهو من أهم المزارات السياحية والدينية بالجمهورية، ويأتيه أكثر من خمسة ملايين زائر فى العام، منهم مليونان فى ذكرى المولد، مضيفًا أنه من المساجد التى تدر دخلاً كبيراً من النذور العينية والنقدية وله دور كبير فى تنشيط صندوق إعمار المساجد على مستوى المحافظة. وبالنسبة للتبرك بزيارة مقامات أهل البيت الكرام وغيرهم من الصالحين، أكد بليح أن زيارة آل بيت النبوة من أقرب القربات، وأَولى القبور بالزيارة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبور آل البيت النبوي الكريم؛ لأن في زيارتهم ومودتهم برًّا وصلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل إن زيارة الإنسان لقبورهم أكثر استحبابًا وثوابًا من زيارة قبورأقربائه. وأشار بليح إلى أن المسجد يشهد حاليًّا عمليات إحلال وتجديد، حيث كان المسجد قد تعرض لتشققات منذ زلزال 1992 الذى أصاب عددًا من المنشآت بالجمهورية، وحدثت له عدة ترميمات، ولكنها لم تفد؛ حيث إن مئذنة المسجد كانت آيلة للسقوط، وتوجد تشققات خطيرة بجدرانه وسقفه، لافتًا إلى أن المسجد قديم مقام منذ ثلاثينات القرن الماضي، مطالبًا بضرورة الاهتمام بالأئمة إداريًّا واجتماعيًّا ودعويًّا، والعمل على تطوير الخطاب الديني الذي وضعه الرئيس ضمن أولويات خطته وبرامجه الهامة، مؤكدًا انه لن يتم ذلك إلا بالاهتمام بالإمام والرعاية التامة له. من جانبه أعلن الشيخ سعد الفقي وكيل وزارة الأوقاف بكفر الشيخ إنهاء كل المشكلات العالقة بمسجد سيدى إبراهيم الدسوقى وقرب انتهاء أعمال الإصلاحات والترميم اللازمة للمسجد؛ ليكون واحدًا من أفضل المساجد فى مصر والعالم الإسلامى، موضحًا أن أعمال الترميم بالمسجد تجرى على أعمدته منذ الأول من شهر يناير الماضي، ومن المقرر أن تنتهى فى أول يونيو القادم، حيث تم اعتماد 5 ملايين جنيه بتمويل من وزارة الأوقاف التى وفرت كل التمويل اللازم لجميع الأعمال والإصلاحات المطلوبة بالمسجد؛ لمكانته الدينية والتاريخية والثقافية.