اصبحت محافظة دمياط قبلة للمئات من راغبى العمل للحصول على اى مكسب مادى عوضا عن الوظيفة الرسمية، فترى أماكن بعينها يتجمع فيها أعداد غفيرة من الشباب، وكأنها سوق يذهب إليها كل من يريد عامل للحفر أو نقل مواد البناء إلى أسطح المنازل. حتى عام 1995 كان معظم الوافدين للعمل فى دمياط من الأميين، أو الحاصلين على مؤهلات متوسطة وكان اكثر عمل يستوعبهم هو ال"فواعلى" العامل فى مجال البناء والمعمار، أو يقوم برفع الطوب ومواد البناء على اسطح المنازل او حفر فى الارض لغرض معين أو خلاف ذلك، وكان معظم العمالة تفد الى دمياط من محافظات الصعيد، ولكن عقب عام 1995 وإلى الآن أصبح من الطبيعي جدا ان تسال أحد العمال عن تعليمه فتفاجئ بأنه خريج احدى كليات القمة. على الأرصفة حملة مؤهلات عليا تخرجوا في كليات القمة، انفقت عليهم أسرهم آلاف الجنيهات للحصول على مؤهلاتهم، وكانت كل أسرة تحلم بيوم يتخرج فيه ابنها ليحصل على وظيفة مرموقة في الحكومة أو القطاع الخاص، ليشق طريقه نحو حياة أفضل لم ينعموا هم بها، ولكن تصطدم معظم الأسر بالواقع المرير بعد تحول نجلهم إلى عاطل بدرجة الليسانس أو البكالوريوس، وأحيانًا ماجيستير ودكتوراه. عادل عبد العزيز، 28سنه، من محافظة كفر الشيخ، خريج دراسات إسلامية وعربية جامعة الازهر، يقول بعد تخرجى منذ حوالى سبع سنوات لم استطع الحصول على عمل بما يناسب مؤهلى، وبعدما أرهقت عائلتى من الإنفاق على تعليمى كان لزاما على ان اتدبر عمل يدر على ربح لأتحمل مصروفاتى وأساهم مع أسرتى فى الانفاق على اشقائى ممن ما زالوا فى المراحل التعليمية المختلفة، من أجل ذلك حضرت إلى دمياط من خمس سنوات، وعملت ك«عتال»، "حملت طوب ورمل وزلط ونزلت موبيليات وطلعت والحمد لله ربنا بيرزقنى بحوالى 2000جنية صافى بعد مصاريفى فى الشهر بساعد أهلى وبجهز نفسى علشان اتجوز". والملفت للنظر أن تجد أطفال لم تتجاوز اعمارهم ستة عشر عامًا يعملون "فواعلية" وأغلبهم من محافظات الصعيد أيضا والمنوفيه وكفر الشيخ، يقول محمود عطية 15سنة، لم يحظى بفرصة ليكمل تعليمه فاكتفى فقط بالابتدائية واضطر للنزول الى سوق العمل أيضا ليعول نفسه اولًا ويساعد الأسرة فى الإنفاق، فكل ما يملكونه قطعة أرض زراعية صغيرة لا يسد العائد من محصولها احتياجات أسرة مكونة من 6 أفراد، فأتى إلى دمياط ليعمل ايضا ك"عتال" و يرفع مواد البناء ليوفر قوت يومه. والتقت "البديل " بشاب يدعى محمد .ع.و، من محافظة كفر الشيخ، حاصل على ليسانس شريعة وقانون، ويعمل صبى قهوة في شوارع منية دمياط ،حماده كما يسميه أصحاب الورش يدور طول اليوم على الورش ليوصل الطلبات إلى الزبائن، ويجمع العده من اكواب وصوانى ويعيدها إلى المقهى مرة اخرى، بصعوبة وافق محمد ان يتحدث مشترطا عدم كتابة اسمه بالكامل، قائلاً "تخرجت منذ حوالى خمسة أعوام بكلية الشريعه والقانون جامعة المنصورة، بتقدير عام جيد، ولأنه ليس لدينا "واسطة" فليس من حقى التقدم لشغل وظيفة وكيل النائب العام، ولأن أسرتى تحتاج منى معاونتها في الإنفاق بعد أن أنفقوا على طوال فترة تعليمى كان لازما أن أحصل على عمل له دخل مستمر، فسافرت إلى القاهرة ولم استطع التكيف مع الزحام الموجود هناك ونصحنى أحد المعارف بالمجيء إلى دمياط وبعد البحث والعمل في عدة اشياء قادنى القدر إلى العمل فى مقهى، وكما ترى أقوم بتوصيل الطلبات إلى العمال في الورش وتجميع العدة وإعادتها إلى المقهى من التاسعة صباحا حتى العاشرة مساءا بأجر يومى ثابت 70جنيه، وربما يرزقنا الله ببقشيش واهو أدينا عايشين لغاية لما نشوف لها حل. وهكذا تتواصل فصول هذه المأساة بلاتوقف، لتتحطم أحلام الخريجين على صخرة البطالة والاضطرار إلى النزول إلى سوق العمل الذى يتساوى فيه الأمى وخريج الكليات المرموقة.