لم تكن إصابتهم بالتأخر العقلي أو التوحد سببًا كافيًا يستدر به أهلوهم عطف المواطنين وإشفاقهم على أولادهم المرضى، رغم صبرهم على ابتلاء ربهم إلَّا أن المجتمع أبى أن يمنحهم حقهم الطبيعي في الحياة من عيش كريم وتعليم وصحة، بل يتعرضون للإهانات بالمدارس، وتسوء حالتهم يومًا عن الآخر، حتى أصيب بعضهم بالشيزوفرينيا نتيجة الإهمال بالمدارس الحكومية. سمية عبد الهادي، أم لطفلة تعاني من تأخر عقلي وصرع، حجزت لابنتها مقعدًا بين زميلاتها من الأصحاء بإحدى مدارس الدمج، وكانت في تحسن مستمر خلال السنوات الأربع الأولى بالتعليم الأساسي، لكن سرعان أصيبت بالشيزوفرينيا دون أن تعلم سببًا واضحًا لتلك الحالة. وقالت عبد الهادي: بعدما استجابت أروى للجلسات فوجئت في السنة الأخيرة لها بالمرحلة الابتدائية أنها أصبحت أكثر انطوائية، تزايد لديها عدم الإدراك وأصيبت باكتئاب مزمن تطور إلى فصام في الشخصية أو ما يعرف طبيًّا بال"شيزوفرينيا". وأرجعت السبب إلى المعلمين بإحدى مدارس الدمج بمنطقة رشدي بالإسكندرية، فهم يسيئون معاملة المعاقين بقولهم: "هو احنا ناقصين عُبط وتخلف". وأضافت نادية محمد، أن ابنها أحمد إبراهيم ولد مصابًا بمرض التوحد، وبمرور 25 يومًا توجهت إلى إحدى الجمعيات الخيرية، واستشعرت التحسن في سلوكه واستيعابه، حتى سن الثمانية، فألحقته بإحدى مدارس الدمج. وقالت: قبلته مدرسة رشدي الابتدائية، بعد مواجهة المدير بخطاب من مديرية شرق التعليمية، وحملني المدير المسؤولية كاملة عما سيصيبه خلال فترة دراسته، وسبب رفض الأطفال وجود نجلها وسطهم والاعتداء عليه بالضرب مشكلة جديدة لها، مما اضطرها إلى شراء حبهم له ببعض الحلوى التي تقدمها لجميع زملائه اتقاءً لشرهم. أما مصطفى محمد فاروق، الطفل المصاب بتأخر دراسي، قررت والدته دفع أموال شهرية لإحدى المعلمات بمدرسة للتربية الفكرية لتمنحه قدرًا من الاهتمام، لكن الطفل لم يتحسن، فألحقته بمدرسة للدمج، تحسنت حالته خلال العامين الأول والثاني، لكنه وأصبح منطويًا. تقول هدى، والدة مصطفى محمد فاروق، مصاب بتأخر دراسي بمدرسة رشدي الابتدائية: لم أكن أعلم مدى احتياجه لمدارس الدمج أو غيرها، وقالت المعلمة: إنه لا يستوعب الدروس. وكنت أدفع لها أموالًا شهرية للاهتمام بنجلي في المدرسة، ولم يتحسن، وطلبت منها إلحاقه بإحدى مدارس الدمج. وأضافت أن حالة مصطفى تحسنت خلال العامين الأول والثاني ثم ساءت فأصبح منطويًا، موضحة أن نسبة ذكائه ضئيلة جدًّا، ويعاني من تشتت انتباه وفرط حركة، مما جعلها تحوله إلى أحد فصول الدمج بالمدرسة، وما زال يتلقى الدروس الخاصة على الرغم من أنه في الصف الخامس. من جانبه قال محمد عبد الحميد، الباحث بقسم الخدمة الاجتماعية وتنمية المجتمع بكلية التربية جامعة الأزهر: متلازمة داون والتوحد وصعوبة التعليم تندرج ضمن الإعاقة الذهنية، بسبب الوراثة أو الإصابة أو سوء التغذية أثناء فترة الحمل، وتتسبب قصورًا في التحصيل أو نقص الذكاء، وبالتالي عدم كفاءة العقل في أداء الأدوار الاجتماعية. وأكد تعرض الأطفال للسب والصفع والاعتداء الجنسي بمدارس الدمج، فضلًا عن أن مدارس التربية الفكرية المتخصصىة تعاني من الإهمال الشديد، مشيرًا إلى أن حرص أولياء الأمور على حجز مقاعد لأبنائهم بمدارس الدمج لضمان توظيفهم ضمن نسبة ال5% بقطاع الأعمال الحكومي.