يستعد أهالي ثورة يناير ومصابوها لاستقبال الذكرى الرابعة للثورة، بجرح لم يلتئم بعد، بل أصبح غائرًا، وراح ينزف من جديد بعد أن حكم القضاء المصري ببراءة مبارك ورجاله من قتل المتظاهرين، في ختام لمسلسل "مهرجان البراءة للجميع"، ففور الإطاحة بنظام مبارك يوم 11 فبراير 2011 بعد 18 يومًا من التظاهرات السلمية من قِبَل المتظاهرين، مقابل مواجهة قمعية مفرطة في استخدام العنف من قِبَل النظام، سقط على إثرها عشرات الشهداء ومئات المصابين، وعلى الرغم من تقدم مئات بل آلاف المواطنين بدعاوٍ قانونية ضد مبارك وأعوانه إلَّا أن النهاية المأساوية التي شهدتها محاكماتهم أثبتت أن الأمر غير ذي جدوى؛ لأن تلك المحاكمات تجري وفق قوانين فصلها رجال مبارك وكأنهم كانوا على استعداد لهذه اللحظة الذي سيقف فيها الشعب ليحاسبهم. على الرغم من اختلاف أجبدات جميع القوى السياسية بشأن إحياء الذكرى الرابعة، إلَّا أنها اتفقت جميعها على ضرورة القصاص للشهداء، ورصدت "البديل" أحكام البراءة التي حصل عليها رموز النظام السابق منذ اندلاع الثورة، قبيل إحياء الذكرى الرابعة من الثورة: القضاء: براءة.. عودوا إلى مقاعدكم قُدِم مبارك للمحاكمة العلنية، كأول رئيس عربي سابق تتم محاكمته بهذه الطريقة أمام محكمة مدنية، في 3 أغسطس 2011، وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد يوم السبت 2 يونيو 2012 بتهمة قتل المتظاهرين أثناء الثورة واللواء حبيب العادلي، وزير الداخلية الأسبق، مع براءة جميع المتهمين الآخرين، وهم علاء وجمال مبارك وستة من كبار قيادات الداخلية، رئيس قوات الأمن المركزي السابق اللواء أحمد رمزي، مدير مصلحة الأمن العام السابق عدلي فايد، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق حسن عبد الرحمن، مدير أمن القاهرة السابق إسماعيل الشاعر، مدير أمن الجيزة السابق أسامة المراسي، مدير أمن السادس من أكتوبر السابق عمر فرماوي. وقضت محكمة جنايات شمال القاهرة حضوريًّا للمخلوع محمد حسني مبارك بالنسبة للتهمة الموجهة إليه بقتل متظاهري 25 يناير بعدم جواز نظر الدعوى، كما قضت ببراءته في قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل، أما بخصوص قضية فيلات شرم الشيخ، قضت المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية ضد مبارك ونجليه علاء وجمال، الذين اتهموا بتلقي هدايا من حسين سالم. وحوكم مبارك والعادلي ومساعدوه الستة في قضية اتهامهم بالتحريض والاتفاق والمساعدة على قتل المتظاهرين، إبان 25 يناير، كما يحاكم مبارك ونجلاه علاء وجمال ورجل الأعمال حسين سالم، بشأن استغلال النفوذ الرئاسي وتصدير الغاز المصري إلى إسرائيل. يذكر أن المحكمة كانت برئاسة المستشار محمود كامل الرشيدى، وعضوية المستشارين إسماعيل عوض ووجدي عبد المنعم، وسكرتارية محمد السنوسي وصبحي عبد الحميد. البراءة لسرور وأعوانه في موقعة الجمل.. ولا عزاء للثورة في حكم نهائي وبات، أصدرت محكمة النقض في جلستها المنعقدة بتاريخ 8 مايو 2013، حكمًا بتأييد الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة، ببراءة جميع المتهمين في قضية قتل المتظاهرين يومي 2 و3 فبراير 2011، وسقط خلالها عدد من الشهداء بحكم بالبراءة، والمعروفة إعلاميًّا بموقعة الجمل، والمتهم فيها 24 شخصًا من كبار الشخصيات في النظام السابق، وأعضاء بمجلسي الشعب والشورى السابقين، والحزب الوطني المنحل، وهم كل من: أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق، صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى وأمين الحزب الوطني، رجل الأعمال إبراهيم كامل، رجل الأعمال محمد أبو العينين، صاحب سلسلة مصانع كليوباترا، وزيرة القوى العاملة عائشة عبد الهادي، ماجد الشربيني، محمد الغمراوي، شريف والي، حسن التونسي، علي رضوان، وليد ضياء الدين، أحمد شيحة، حسام حنفي، هاني عبد الرءوف، رجب هلال حميدة، محمد عودة، يوسف خطاب، سعيد عبد الخالق، حسين مجاور، إيهاب العمدة، طلعت القواس والمحامى مرتضى منصور ونجله أحمد، ونجل شقيقته أحمد وحيد صلاح، وقضت المحكمة بعدم قبول الطعن المقدم من النيابة العامة علي حكم البراءة. وعقدت الجلسة برئاسة المستشار حامد عبد الله وعضوية المستشارين يحيى خليفة ومحمد عيد سالم ومحمد محمود ومنصور القاضي ومصطفي حسان ومحمد عبد الحليم ووائل أنور وحاتم عزمي وسكرتارية كمال سالم ومحمد زيادة وحازم خيري. العادلي ومعاونوه قضت محكمة جنوبالقاهرة المنعقدة بأكاديمية الشرطة برئاسة المستشار إبراهيم الصياد ببراءة حبيب العادلي، وزير داخلية المخلوع مبارك؛ في قضية إعادة محاكمته؛ لاتهامه بالتربح وغسيل الأموال بما قيمته نحو 5 ملايين. وسبق أن قضت المحكمة ببراءة 41 من قيادات وزارة الداخلية السابقة في القضية المعروفة إعلاميًّا ب"فرم مستندات أمن الدولة"، على رأس من برأتهم محكمة جنايات جنوبالقاهرة حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق، و40 من قيادات جهاز أمن الدولة المنحل والمتهمون بفرم وحرق وإتلاف مستندات الجهاز المنحل في أعقاب ثورة يناير. أحمد المغربي قضت محكمة جنايات الجيزة، حضوريًّا ببراءة زهير جرانة، وزير السياحة الأسبق، وغيابيًّا لرجل الأعمال هشام الحاذق فى قضية اتهامهما بالاستيلاء على 5 ملايين متر مربع من أراضي العين السخنة. كما برّأت المحكمة أحمد المغربي، وزير الإسكان الأسبق، وزهير جرانة، وزير السياحة الأسبق، وخالد مخلوف، رئيس الجهاز التنفيذى لهيئة التنمية السياحية، على خلفية اتهامهم بالتربّح والإضرار العمدي بالمال العام والاستيلاء على أراضي الدولة بالغردقة. صدرت الأحكام برئاسة المستشار حسام دبوس، وعضوية المستشارين زكريا شلش ومجدي عبد الباري، وبأمانة سر محمد الجمل ومحمد طه. شفيق وجمال وعلاء.. تهمة "أرض الطيارين" برّأت محكمة جنايات شمال القاهرة، المنعقدة بأكايمية الشرطة، الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء الأسبق، وعلاء وجمال مبارك، نجلي الرئيس الأسبق، من تهمة تسهيل الاستيلاء على مساحة 40 ألف متر من أراضي منطقة البحيرات المرة بمحافظة الإسماعيلية والمخصصة لجمعية الضباط الطيارين، المعروفة إعلاميًّا بقضية "أرض الطيارين". صدر الحكم برئاسة المستشار محمد عامر جادو، وعضوية المستشارين علي النمر وجمال رجب رفاعي، وسكرتارية محمد جبر ومحمد عوض. واعتبرت المحكمة في حيثيات الحكم أن ما نسب إلى المتهمين لا يعدو أن يكون مخالفة إدارية، وأن حصول علاء وجمال على قطعة أرض تزيد مساحتها الفعلية عن المساحة المسجلة في العقد الرسمي لا يعدو أن يكون مخالفة مالية ولا تشكل جريمة جنائية. أسامة الشيخ.. البراءة من إهدار المال العام في يوم 8 سبتمبر 2012 قضت محكمة جنيات القاهرة ببراءة أسامة الشيخ، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق، في قضية إهدار أموال الاتحاد من خلال بيع مسلسلات لبعض القنوات بأقل من ثمنها الفعلي. ووافق المستشار عناني عبد العزيز، رئيس هيئة النيابة الإدارية، في الأول من سبتمبر العام الماضي على حفظ التحقيق في الاتهامات الموجهة لرئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق أسامة الشيخ بشأن إهدار المال العام وتبرئته منها بعد ثبوت عدم صحتها. النقض تعيد محاكمة أنس الفقي قضت محكمة النقض، برئاسة المستشار فرغلي زناتي، بقبول الطعن المقدم من النيابة العامة، على حكم محكمة جنايات القاهرة الصادر بحبس وزير الإعلام الأسبق، أنس الفقي، سنة مع إيقاف التنفيذ، وتغريمه 1,8 مليون جنيه، في القضية المتهم فيها بالكسب غير المشروع والتربح من وظيفته، وأمرت بإعادة محاكمته في القضية. وقضت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار محمد عامر، في 20 فبراير الماضي، بمعاقبة أنس الفقي بالحبس سنة مع الشغل، وتغريمه مليونًا و800 ألف جنيه، مع إيقاف تنفيذ الحكم؛ لاتهامه بالتحصل على 33 مليونًا و400 ألف جنيه، بشكل غير مشروع. يذكر أنه في 6 يوليو 2011 حكمت المحكمة ببراءة كل من الفقي ويوسف بطرس غالي في قضية اتهامهما بإهدار 36 مليونً جنيه من أموال الاحتياطات العامة الخاصة بالسلع الاستراتيجية للدولة، وصرفها على الحملة الإعلامية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية والدعاية لرئيس الجمهورية السابق حسني مبارك، على نحو مثَّل إهدارًا للمال العام وإضرارًا متعمدًا به. ظاهرة تنحي القضاة شهدت المحاكم بعد ثورة يناير 2011 تنحي من بعض القضاة أو الدوائر القضائية، أشهرها التنحِّي عن محاكمة أحمد عز والتنحِّي عن نظر قضية التمويل الأجنبي وتنحِّي قاضي التحقيق عن التحقيق فى جرائم تزوير الانتخابات، كما قررت محكمة جنايات القاهرة التنحي عن نظر محاكمة محمد بديع، مرشد الإخوان، ونائبيه خيرت الشاطر ورشاد البيومي وآخرين، في قضية اتهامهم بالقتل والتحريض على قتل المتظاهرين أمام مكتب الارشاد بالمقطم، وقالت المحكمة: إنها قررت التنحي لعدم قدرتها علي إدارة الجلسة ونظر الدعوى, وتعد المرة الثانية التي تتنحي فيها محكمة الجنايات عن نظر القضية نفسها خلال أيام. البراءة للجميع.. فتيل أشعل غضب الشباب يرى سياسيون أن البراءة التي حصل عليها مبارك وأعوانه، ساهمت في اشتعال موجة الغضب لدى الشباب الثائر، الذي لم يشعر منذ ثورة يناير بأي تغيرات على أرض الواقع، سوى أن بعض الوجوه على الساحة السياسية تغيرت، إلَّا أن السياسات ما زالت كما هي، من تهميش لدور الشباب إلى محاربة الصوت المعارض وإسكاته. يقول الدكتور جمال زهران، القيادي بتحالف العدالة الاجتماعية: إن مسلسل البراءات للمخلوع ورجاله ساهم في تكوين شريحة كبيرة من الغاضبين والناقمين على القوانين والنظام، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي لا يبشر بخير؛ خاصة في ظل تزايد الشعور بالغضب لدى قطاع الشباب العريض. ويضيف زهران: ربما تنتج من حالة الغضب المتولدة لدى الشباب موجات وحركات ثورية، لكنها غير مرتبطة بوقت محدد أو مكان معين، فقد تنشأ وتنتشر من أي مكان، موضحًا أنه في ظل إصرار الشباب على تكملة الطريق الثوري فإنهم سيتحصلون على حقوقهم السياسية والمادية والأدبية بالبلاد، وفي القريب العاجل. ويضيف الدكتور عمرو هاشم ربيع، الخبير السياسي ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن براءة مبارك وأعوانه لم تكن لتؤثر بالمشهد السياسي، لولا حالة الضعف التي تسيطر على القوى السياسية الموجودة حاليًا، مشيرًا إلى أن ظهور رموز مبارك وأعوانه في المشهد السياسي الآن جاء بالتنسيق مع قوى رئيسة في الدولة، كمحاولة للضغط على رجال الأعمال، الذين يعارضون الدولة ويرفضون الرضوخ لهيمنتها، والتأكيد أن هناك بدائل متعددة أمام النظام. وأكد طلعت فهمي، الأمين العام لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، أن مسلسل البراءة للجميع الذي كان أبطاله مبارك وأعوانه يعد ناقوس الخطر الذي يهدد الثورة المصرية كمحاولة أخيرة من أذناب النظام للقضاء على آمال الشعب كافة في حدوث تغيير حقيقي على أرض الواقع، مشددًا في الوقت ذاته على أن تنحي القضاة عن بعض القضايا مثل الإرشاد وأحمد عز وموقعة الجمل كان نتيجة ضغوط سياسية معلومة للجميع، في نفس الوقت الذي سجن فيه العشرات من شباب الثورة، بالإضافة إلى كم التشريعات التي خرجت خلال المرحلة الماضية، التي تتعارض مع مطالب الثورة وأهدافها، من حرية رأي وعدالة اجتماعية، لكنه أوضح تفاؤله خلال الفترة المقبلة من عدم رضوخ الشباب لذلك، واستمرار ثورتهم ضد الفساد والظلم وأن الثورة مستمرة.