عقب فوزه بجائزة «تي.إس. إليوت» للشعر، في الذكرى السنوية الخمسين لوفاة الشاعر الأشهر «إليوت»، أفضل شعراء القرن العشرين، والمعروف بقصيدته «الأرض الخراب»، خرج الشاعر الإنجليزي المتوج «ديفيد هارسنت» ليقول إنه "استلهم كلمات ديوانه Fire Songsمن الخراب الذي يعم الكوكب، جراء تغير المناخ"، إذن أيها المبدعون العرب، دعونا نكتب عن خراب الأرض، وليكن الأمر بمثابة تذكرتنا الذهبية للحصول على جائزة جمعية كتاب الشعر، التي تبلغ قيمتها 20 ألف جنيه إسترليني "30 ألف دولار من ممتلكات إليوت.. يمكننا اعتبار ما سبق دعابة هزلية، إلا أنه في حقيقة الأمر مبرر مصطنع لعدم وصول أي منتوج شعري عربي منشور في بريطانيا أو أيرلندا إلى قوائم الجائزة! على أي حال جائزة «تي.إس. إليوت» للشعر ليست على قائمة أولويات الناشرين العرب في المملكة المتحدة، خاصة بعد أن أثارت جدلًا كبيرًا في الأعوام الأخيرة الماضية بسبب الشركات الراعية والممولة، ما أدى في العام 2012 إلى انسحاب اثنين من الشعراء بسبب رعايتها من قبل شركة الاستثمار اوروم فند، بعد أن خسرت «رابطة محبي الشعر» في لندن تمويلها من قبل مجلس الآداب، بعد قراره بوقف التمويل، وهو قرار اعترض عليه حينذاك أكثر من 100 شاعر بريطاني، إذن نحن على الدرب الصحيح! لنتوقف قليلًا عن إلقاء الدعابات، ونتعرف على الأسماء التي ضمتها القائمة الأخيرة للجائزة، ونقترب أكثر من الفائز بها، ولن تمنعنا السطور القادمة من تذكر بعض ممن حصدوا الجائزة في سنوات أخر.. نوفمبر الماضي، وقتما خلعت عاصمة الضباب لباسها الخريفي وتجهزت لاستقبال الشتاء، أعلنت جمعية كتاب الشعر البريطانية، عن قائمة رشحتها بالإجماع لجائزة «تي. إس. إليوت» التي تمنحها سنويًا لديوان منشور في العام ببريطانيا وأيرلندا، تلك الجائزة التي تم تأسيسها عام 1993 تكريمًا ل«إليوت». احتفاء بالذكرى الخمسين لوفاة شاعر بريطانيا الأول من نوعه، وحامل جائزة نوبل عام 1948، رفع القائمون على الإرث الأدبي للشاعر قيمة الجائزة من 15000 جنيه إسترليني إلى 20000 جنيه إسترليني، كما شددوا على دعمهم للجائزة بأن صاروا رعاتها الوحيدين بعد انتهاء عقد رعاية لها امتد ثلاث سنوات مع شركة الاستثمار أورام، إذن صاحبنا «ديفيد هارسنت» يستحق بجدارة لقب الأكثر حظًا في يناير 2015. القائمة القصيرة للجائزة عام 2014، اختارتها لجنة التحكيم -المكونة من هيلين دانمور وشون بورودال وفيونا سامبسون- من بين مائة وثلاثة عشر كتابًا قدمها الناشرون، لتعكس على حد قول رئيستها الشاعرة دانمور «حساسية موسيقية، براعة، طموح». وضمت تلك القائمة 10 متنافسين، من بينهم شاعرين من أميركا، وشاعرة من الهند، وثلاثة من العمالقة فازوا بالجائزة من قبل، وديوان آخر هو الأول لشاعرته، ومن هذه الأعمال: ديوان «ليلة مخلِصة وعفيفة» للشاعرة الأميركية لويز جلوك، الفائزة بجائزة بوليتسر، وفيه كتبت: «أخيرًا أحاط بي الليل/ طفت عليه وربما فيه/ وحملني كما يحمل النهر قاربًا».. إنها ليلة أمريكية حالمة. ديوان «النفس نفسه» للشاعر الأسكتلندي جون بيرنسايد الفائز السابق بالجائزة، كتب فيه: «كلنا في حاجة إلى حياة ثانية/ فما لدينا من حيوات/ تنفض بسرعة أي سرعة/ لذا بالكاد نبصر الأزهار عند أقدامنا/ السماء الشمالية /ثعالب الماء وطيور التمير/ وهي تشرد نحو الانقراض».. شكرًا للمسحة الإنسانية الخالصة. ديوان «تعلُم صناعة عود في الناصرة» للشاعرة البريطانية روث بادل، وديوان «خطاب مكتوب في هدوء مؤقت أثناء القتال» للجندي السابق في حرب العراق الأميركي كيفين باورز، يجسدان مسيرة شاعرين يخطوان مع كل قصيدة بعيدًا عن مسقط رأسيهما ومنظور القومية الضيق، ولا يستبعدان المصالحة والوفاق في الشرق الأوسط. ديوان «أرض وسماء»، غارق في سحر الشرق ودمويته، قدمته الشاعرة روث بادل، التي أثارت ضجة حين تظاهرت مع كتاب آخرين معترضة على قرار أصدره وزير العدل البريطاني بعدم إرسال الكتب إلى السجناء.. الديوان ما بين لقطات المشاحنات الأزلية وتألق الحرفي بأصابعه الحسية الذهبية، وهو يصنع العود في مشهد وصفته الناقدة البريطانية كيت كيلاواي في جريدة "ذا أوبزرفر" بقصة مصغرة عن الخلق. لطالما بات صعبًا تخمين الفائز، لنتذكر معًا الشاعرة الأميركية شارون أولدز، التي جلبت لها قصائدها الموجوعة بعد أن هجرها زوجها قبل خمسة عشر عامًا، الجائزة عن ديوانها «قفزة الأيل» في العام 2013، لتكون أول أميركي يفوز بالجائزة منذ عام 1995. ولا ننسى الشاعر الإسكتلندي جون بيرنسايد، مقتنص الجائزة من بين ثمانية شعراء متنافسين عليها، عن مجموعته «عظمة قطة سوداء»، وجاء في قرار اللجنة عن سبب اختيارها: «إنها مجموعة مسكونة بحس عال من الجمال، ترفدها مشاعر الحب وذاكرة الطفولة والتوق الإنساني والوحدة، إنه كتاب مميز يلمس أعضاء لجنة التحكيم أهميته كلما تعمقوا في قراءته». كذلك الشاعر فيليب جروس حائزها عام 2009، عن مجموعته «طاولة الماء»، التي تتناول بشكل جوهري ثيمات ميتافيزيقية وسياسية ودينية، غير أن موضوعها الأساسي هو الماء، قال عنه الشاعر سيمون أرميتاج إنّه يأمل في أن يقدم الفائز للناس صوتًا جديدًا في الشعر المعاصر، ووصف المجموعة بأنها جميلة، ومصنوعة على نحو يكاد المرء يتعجب كيف احتفظت به طوال أربع وستين صفحة. يتناول "جروس" في هذه المجموعة، قصص الفيضانات في كمبيريا، وخطورة المياه، ومواضيع أخرى مثل البيئة، وتغير المناخ، وهشاشة كوكب الأرض الذي يعتبره جروس منزل البشرية. أما المتوج بالجائزة عن هذه الدورة، الشاعر الإنجليزي ديفيد هارسنت، عن ديوانه الحادي عشر، فقد حصل عليها بعد 4 محاولات سابقة للمنافسة عليها بدأت للمرة الأولى عام 1998، ووصفته هيلين دونمور، رئيس لجنة التحكيم بأنه "شاعر الأيام المظلمة والخطيرة، يتميز ديوانه بالثراء اللغوي والعاطفي والذكاء الفني والقدرة الهائلة على التنبؤ". شعره يتميز بغنائية عالية، تدفعه إلى استثمار كل المقومات الإيقاعية في القصيدة الإنجليزية، مستفيدًا من براعته في تطويع البحور الشعرية، والاستفادة من كيمياء الجملة الإنكليزية، الغنية بالأحرف الصوتية والمقطعية، مركزاً في الآن ذاته على الهارموني الصوتية والدلالية التي تجعل القصيدة أقرب إلى مقطوعة موسيقية لا تشير إلى شيء خارجها، لا تشير إلا إلى ذاتها. لن أبخل عليكم بمجموعة من ثلاثياته الشعرية التي أتذكرها له، لنختتم بها الحديث عن الجائزة وأربابها، من ديوان له بعنوان «الفيلق»، ترجمة عابد إسماعيل: «ماذا لو أن هذه الأحجار تهوي إلى البحر؟ ماذا لو أن أحدهم بنى ضريحًا من أحجار على حافة البحر؟ ***** حين يسقط ظل عصفورٍ على الحائط الأبيض، المقابل، سوف أكتب إليك تلك الرسالة.. ***** تقلبين فنجان قهوتكِ رأسًا على عقب "أرى بابًا يفضي إلى الغد باب مفتوح أم مغلق؟ هي لا تجيب.. ***** النوافذ تهشمت، والبيت ينهبه الفراغ بسبب الغياب العاري والمصقول لجسدك على السرير… ***** تلك الليالي المطرزة بالنجوم.. كنا نسمع التفاح يتساقط فوق العشب الندي وكنا نترك التفاح مرميًا، ونجمع الرنين..