مازال مسلسل الإهمال مستمرا تجاه أكثر من 20 مليون مصري يقطنون المساكن العشوائية، ولا يحرك مستنقع الإهمال الحكومى سوي سقوط صخرة على رؤوس قاطنيها، فللمرة الثانية تسقط صخرة بمنشية ناصر علي منازل الأهالى، لكن العناية الإلهية وحدها أنقذت أرواح المئات من الموت المحقق تحت أنقاض الصخور، كما حدث في عام 2008 عندما سقطت صخرة الدويقة الأولي. يقول عاطف أمين، مؤسس التحالف المصري لتطوير العشوائيات، إن الحكومة تتعامل مع أزمة سكان منشية ناصر والدويقة بنظام المسكنات، وليس الحلول الجذرية للأزمة، مضيفا: «شاهدنا عبر الشاشات أن رئاسة الوزراء ومحافظة القاهرة، قدموا وحدات سكنية بديلة للأهالي بمدينتى بدر و6 أكتور، وبدي الأمر للجميع أن المشكلة تم حلها، لكن في واقع الأمر، الحكومة تساهم بشكل غير مباشر في خلق عشوائيات جديدة، لنظل منذ التسعينيات ندور في حلقة مفرغة». وأوضح "أمين" أن الشقق التي وفرتها المحافظة لا تصلح للمعيشة؛ لأنها خالية من الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه، بل أغلبها يفتقر لأعمال النجارة من شبابيك وأبواب، أي أنها مناطق غير مؤهلة ليعيش بها المواطنون، متابعا: «مندهش من تعامل الدكتورة ليلي إسكندر، وزيرة الدولة للتطوير الحضري والعشوائيات، مع أهالي منشية ناصر، رغم عملها الطويل مع سكان المنطقة في مشروعات التنمية، ولديها إدراك كبير بطبيعة أهالي المنشية وعملهم المرتبط بالمناطق المحيطة بالدويقة، وأن أغلبهم صنايعية ويعملوا بورش الحسين والموسكي والعتبة، أي أنهم أصحاب دخول غير مستقرة باليومية، فمن غير المنطقي أن ينتقلوا إلي أكتوبر ليتكبدوا يوميا نفقات الانتقال التي تتجاوز 10 جنيهات علي أقل تقدير». وأعرب عن خيبه أمله، بل وإحباط الملايين من سكان العشوائيات بالجمهورية، بعد تفاؤلهم بتأسيس وزارة التطوير الحضاري والعشوائيات كوزارة متخصصة لبحث حلول لمشكلاتهم التي تفاقمت علي مدار العقود الماضية، لكن الوزارة الجديدة لا تمتلك استراتيجية واضحة لمواجهة الأزمة، خاصة في ظل الميزانية الهزيلة التي لا تتجاوز 500 مليون جنيه، والتي لا تكفي لطلاء منطقة واحدة عشوائية أو تنفيذ أعمال الرصف والإنارة بها، مستطردا: «كان من المأمول تخصيص 75% من حصيلة تسديد الضرائب العقارية لصالح تطوير المناطق العشوائية، بعد تطبيقه خلال الأيام المقبلة والمقدر أن تكون حصيلته 7 مليارات جنيه سنويا، وكانت هذه النسبة كفيلة بالقضاء علي أزمة العشوائيات في مصر خلال 10 سنوات حال استغلالها بشكل صحيح، لكن فوجئنا بتخصيص 10 % فقط من دخل الضريبة العقارية للعشوائيات وهو مبلغ هزيل، ولايؤدي الغرض المطلوب منه». من جانبه، طالب الحسين حسان، مؤسس حملة "مين بيحب مصر" لتطوير المناطق العشوائية، المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، بإقالة الدكتورة ليلي إسكندر، وزيرة الدولة للتطوير الحضري والعشوائيات، أو عودتها إلي وزارة البيئة كما كانت، مؤكدا أن ملف العشوائيات يعد فيروسا قاتلا للحكومات إذا لم يتم معالجته بطريقة صحيحة. وأضاف "حسان" أن الوزيرة لا تدرك خطورة العشوائيات، وأن كارثة سقوط صخرة منشية ناصر، أكبر دليل علي غياب الرؤية والاستراتيجية للوزيرة في التعامل مع ملف العشوائيات، مشيرا إلى أن المناطق العشوائية في ازدياد مستمر، وأن جولات رئيس الوزراء الميدانية، فاقت بكثير عدد جولات الوزيرة "إسكندر". وأكد أن الدكتورة ليلي إسكندر، أكثر اهتماما بملف القمامة؛ لمجرد أنها عملت لفترة مع جمعيات جامعي القمامة، رغم أن الأمر من اختصاص المحافظين ووزير التنمية المحلية بالتعاون مع وزير البيئة، ما من شأنه إعاقة عمل وزارة العشوائيات وإخراجها عن مسارها الصحيح، موضحا أن الوزارة لديها مهمة انتحارية في القضاء علي العشوائيات، وتتطلب تفرغا تاما للملف. وفى نفس السياق، يقول أحمد التوني، عضو حملة "أحياء بالاسم فقط"، إن المادة 78 في الدستور الجديد نصت بشكل واضح على التزام الدولة بتوفير المسكن الملائم والأمن والصحى للمواطنين بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية، كما تلتزم الدولة بوضع خطة قومية شاملة لمواجهة مشكلة العشوائيات، تشمل إعادة التخطيط وتوفير البنية الأساسية والمرافق، وتحسين نوعية الحياة والصحة العامة، كما تكفل توفير الموارد اللازمة للتنفيذ خلال مدة زمنية محددة، مضيفا أن الأمر مجرد حبر علي ورق، ولم يتم تطبيق حرف واحد منه. ولفت "التوني" إلى أن مساكن مدينتى بدر و6 أكتوبر محرومة من المدارس والمستشفيات القريبة، إضافة إلى غياب الأمن، وهي مطالب أساسية كان يتمتع بها الأهالي في المنشية، رغم مخاطر السكن علي الصخور، التي تمتلك الحكومة لها حلول، لكنها لا تنفذها، فيمكنها تهذيب هذه الصخور وفقا لدراسة خرجت من كلية هندسة جامعة عين شمس في السنة الماضية. واختتم أن موقع منشية ناصر والدويقة، استثماري بالدرجة الأولي، خاصة مع قرب شركات الاستثمار العقاري منه وبنائها مدن سكنية علي مرتفعات المقطم، مشيرا إلى أن مصلحة الحكومة الاستثمارية تكمن فى إزالة سكان عشوائيات هذه المناطق؛ لبيع الأراضي بأسعار خرافية لصالح شركات الاستثمار العقاري.