ينتظر المسلمون في قرى مصر إطلالة ربيع الأول من كل عام ليحتفلوا بمولد النبي "صلى الله عليه وسلم"، الذي يحل في الثاني عشر من نفس الشهر، فيقيموا الأفراح والليالي الملاح في سرادقات أعدت خصيصا لتلك المناسبة الجليلة ويعلقوا الأنوار والزينات، ويأتي الناس من كل فج فيطوفون القرى ليشاركوا أهلها قراءة القرآن وترديد الأناشيد والابتهالات الدينية. بين صيحات التهليل والتكبير وهزيج (طارات) الطرق الصوفية تقام بقرى محافظات مصر (زفة المولد النبوي الشريف) يتقدمها دائمًا شيوخ وأنصار الطرق الصوفية المتعددة ومريديها وطلاب الأزهر وكثير من المواطنين، وتبدأ الاحتفالات الكرنفالية بالمولد في اليوم الأول من ربيع الأول في كل عام، وفقًا للتقويم الهجري، وتنتهي باحتفال كبير في الثاني عشر منه وهي تقليد راسخ وقديم لدى أهالي القرى وتراث ديني وشعبي لا تغيره الأيام. و(الزفة) عبارة عن موكب كبير تتقدمه موسيقى الجيش والشرطة وصيحات التهليل والتكبير ويزينها مشايخ الطرق الصوفية بأزيائهم المميزة وبيارقهم وشعاراتهم وعصيهم التي يلوحون بها وهم غارقون في محبة النبي (ص)، كما تظهر في الزفة خيول مزينة تتمايل مع الإيقاع.. فيما تشق العنان زغاريد النساء. وتجوب (الزفة) شوارع القرى في جو احتفالي، ويستقبل الأهالي – أمام منازلهم – هذه المواكب بالعصائر والخبائز والحلويات فرحة بقدوم المولد وتخليدا لذكرى المصطفى عليه الصلاة والسلام، وتمثل مناسبة المولد النبوي الشريف فرحة شعبية تجمع الكل وهم مستمتعون بذكر المصطفى (ص) وأيضًا هي فرحة للأطفال وهم يشترون الحلوى والألعاب. لإلقاء مزيد من الضوء على زفة (المولد النبوي الشريف) التقت "البديل" محمد أبو صيرة سائق فقال: إنه يداوم على حضور الزفة منذ كان طفلًا، وهو الآن يصطحب أطفاله ويشتري لهم الحلوى والبالونات. وقالت سهام السيد علي، ربة منزل: إنها – بالإضافة إلى حضورها (الزفة) هى وأطفالها – إلَّا أنها أصرت على شراء كيس حلوى لإلقائه على المارة والمشاركون فى الزفة تباركا ببركة الرسول (صلى الله عليه وسلم). وأوضح أحمد السيد درويش: لم يتغير طعم الزفة أبدًا رغم تغير الزمن، لكن الفرق أنها كانت تجوب جميع الشوارع والميادين، أما الآن فتقلصت وأصبحت تأتي في زمن ضيق لا يجعلنا نستمتع بها بالصورة المطلوبة، إضافة إلى أنه في الماضي كان يتبعها جميع الحرفيين والعمال الذين لهم دور في قيام احتفالية المولد، وهذا ما نلاحظ اختفاءه تلك الأيام وأضاف جمال محمد معوض، مدرس بالأزهر الشريف: ما زال أهالي القرى يحتفون بالمناسبة، فيقيمون الأفراح والليالي الملاح، فيطوفون أنحاء القرية ويستضيفون المقرئين والمنشدين لإحيائها، فيما وصفها فريد الأطرش في أغنيته الشهيرة "هلت ليالي حلوة وهنية". ويروي زفة المولد بقرى مصر جمال عوارة قائلًا: "كان لها شنة ورنة" فكانت تخرج على هيئة جامع متكامل من الخشب مقاس ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار، مثبت على أربع عجلات يجرهم الشباب، وحولهم المحتفين بالأعلام المزركشة واللمبات الفلوريسنت، ويصطحبون معهم المطربين والمقرئين والمنشدين ليطوفوا أرجاء مدينة طنطا، ثم يستقر بهم الحال في مسجد السيد البدوي ليواصلوا احتفالاتهم لأيام وليالي، أما الآن فقد اختفت تلك المظاهر، فاقتصرت على الاحتفال الرسمي الذي يحضره قيادات المحافظة التنفيذية والشعبية داخل المسجد ولا يستمر سوى ساعة واحدة على أقصى تقدير. https://www.youtube.com/watch?v=s9mb8hZmB8s https://www.youtube.com/watch?v=FjJhGkrTDOE https://www.youtube.com/watch?v=p94rZOi_2sQ&feature=youtu.be