أثار اتهام طفل في العاشرة من عمره بسرقة خمسة أرغفة الرأي العام بشكل مستفز، خاصة وأنها أصبحت «قضية»، وتم الحكم فيها عليه هو وطفلين آخرين بالإيداع في مؤسسة الأحداث لمدة عام. ففي الوقت الذي تنهب فيه الأموال بالملايين بل وبالمليارات، وتراق دماء آلاف المصريين بلا أي حساب، أو حتى لوم أو عتاب، تطل علينا هذه القضية، التي وجد فيها القانون فرصته للتطبيق بمنتهى العدالة والردع؛ حتى يكون الطفل السارق عبرة لمن يعتبر. ولولا أن صاحب الحق تعاطف مع الطفل وحال أهله الذين يعانون جراء «جريمة» ابنهم، وتنازل «بكامل إرادته» عن «الخمسة أرغفة»، لكن مصير الطفل هو الأحداث، وما أدراك ما الأحداث! فقد قضت أخيرًا محكمة جنح أحداث بني سويف، في جلستها يوم الخميس الماضى ب «براءة» الطفل عبد المسيح عزت (10 أعوام) من تهمة «الخمسة أرغفة»، والتي اقترفها منذ عام و7 أشهر، وذلك بعد أن تنازل صاحب المخبز. وكانت المحكمة قد قضت غيابيًّا من قبلُ بإيداع الطفل عبد المسيح واطفلين آخرين بالأحداث بتهمة سرقة 5 أرغفة من أحد المخابز البلدي بمركز الفشن، وذلك بناء على محضر حرره صاحب المخبز ضد الطفل في شهر مايو 2013، يتهمه فيه بسرقة 5 أرغفة من فرنه البلدي بما يعادل 6 جنيهات، واستأنف محامي الطفل ضد الحكم الصادر، ونجح في الحصل على البراءة. ومثل هذا الأمر لا يحتاج إلى رجال قانون بقدر ما يحتاج إلى علماء اجتماع؛ لذا فإننا ذهبنا إلى المتخصصين في هذا الشأن في محاولة منا لفهم هذا الأمر العجيب. يقول جمال عبد المطلب أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة بنى سويف تعليقًا على الواقعة "أولاً يجب أن نراعى عند تطبيق القانون روح القانون، فرغم أن قواعد القانون ومواده الصارمة تساوى بين من يسرق بعض أرغفة من الخبز ليعيش وبين من يسرقون المال العام، إلا أن المجتمع بقيمه ونواميسه ينظر إلى من يسرق خبزًا ليعيش أو ليقتات على أنه ضحية وليس جانيًا، وقد امتنع سيدنا عمر بن الخطاب عن تطبيق حد السرقة فى عام الرمادة، وهذا يوصلنا إلى دور الدولة فى توفير حد الكفاف من طعام وشراب وصحة وتعليم ورعاية اجتماعية للمواطنين قبل تطبيق القانون؛ ولذا فإنه فى القانون نفسه هناك ما يعرف بالأحكام التعزيرية لمثل هذه الحالات". ولفت إلى أن "الطفل عبد المسيح الذي تناولته الصحف ووصفته بالسارق لمجرد أنه سمح لنفسه أن ياخذ عددًا من الأرغفة ليقتات بها ويسد جوعه، ينظر إليه المجتمع الإنسانى على أنه ضحية، فلو أن المجتمع قام بدوره الصحيح تجاه مثل هذه الحالات بالرعاية والعناية وتوفير حياة شبه كريمة، لما أقدم الطفل على ذلك". وطالب أستاذ علم الاجتماع كلاًّ من الحكومة والصحافة والشعب بمحاسبة أنفسهم أولاً بدلاً من أن يكيلوا الاتهامات لطفل كل همه كان إشباع جوعه، مؤكدًا أننا "نتحمل جميعًا مسؤلية سلوك الطفل عبد المسيح، ونحن في المقدمة". من جانبه كلف "مجدي البتيتي" محافظ بني سويف رئيس مركز ومدينة الفشن بالتنسيق مع مسئول ملف الطفولة والأمومة بالمحافظة؛ لدراسة ومعاينة الحالة الاجتماعية والاقتصادية وملابسات القضية الخاصة بالأطفال الثلاثة الذين حصلوا على براءة منذ 3 أيام في قضية سرقة خبز من أحد الأفران بمدينة الفشن والتي صدر فيها الحكم غيابيًّا بإيداعهم في مؤسسة الأحداث لمدة عام، والتي تداولتها بعض وسائل الإعلام، وذلك في إطار خطة المحافظة للوقوف على مستوى الخدمات المقدمة للأطفال، وضرورة الالتزام بالقواعد والنظم واللوائح المتبعة في رعايتهم والتعرف على مشاكلهم، وتلبية احتياجاتهم في ضوء الإمكانات والموارد المتاحة من خلال المتابعة الميدانية وتفعيل اختصاصات اللجنة العامة لرعاية الطفل بالمحافظة. وأشار المحافظ إلى أنه أصدر في وقت سابق قرارًا بإعادة تشكيل اللجنة العامة لرعاية الطفل بمحافظة بني سويف، برئاسته والتي تختص برسم السياسات العامة لحماية الطفولة بالمحافظة، ومتابعة تنفيذ هذه السياسة، وكافة الاختصاصات المحددة لها والمنصوص عليها بقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، ولائحته التنفيذية، على أن تنعقد اللجنة بمقر المحافظة مرة واحدة على الأقل كل شهرين، بالإضافة إلى تشكيل اللجان الفرعية لرعاية الطفل بكافة مراكز المحافظة، برئاسة رئيس الوحدة المحلية لكل مركز، وعضوية مأمور مركز الشرطة، ومديري الشؤون الاجتماعية، والإدارة الصحية والإدارة التعليمية، وممثلين عن القوى العاملة، ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك بكل مركز. وفي السياق نفسه قام "خالد عويس" رئيس مركز ومدينة الفشن ومنسقو لجنة حماية الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة "محمد نعمان عبد الملك" و"إسماعيل النكلاوي" ومسئولة ملف الطفولة والأمومة بالمحافظة بزيارة الأطفال الثلاثة في منازلهم؛ للوقوف على الطبيعة على حقيقة القضية ومعاينة حالتهم الاجتماعية. وقالت المحافظة في بيانها الإعلامى إنه اتضح خلال الزيارة أن هذه القضية بدأت أحداثها عام 2012 حسب تصريح أولياء أمور الأطفال الثلاثة، ولم يتم العلم بما انتهت إليه المحكمة، وفوجئ أولياء الأمور بإنذار من المحكمة على منازلهم خلال شهر ديسمبر 2014 بأن القضية ما زالت مستمرة، وتم الحكم فيها بإيداع الأطفال فى مؤسسة رعاية الأحداث لصغر سنهم لمدة عام. وأضافت أن أسر الأطفال قاموا بالاستئناف على الحكم وإقناع صاحب التروسيكل بعمل محضر تصالح والتنازل عن القضية، وحكم القاضى بالبراءة، وقررت المحكمة إلغاء الحكم الصادر من محكمة الطفل غيابيًّا بإيداعهم دور الرعاية الاجتماعية.